نبيذ نابولي

74 0 0
                                    

الساعة كانت تشير للواحدة صباحا ... سمعته يرمي حذائيه وينزع ثيابه. اندس بملابسه الداخلية في السرير ... أغمضت عينيها عندما شعرت به يقترب منها تحت اللحاف ... ضمها من الخلف وتنفس بجانب خدّها ... فاختنقت برائحة الكحول ... فتحت عينيها واستدارت إليه فتراجع للوراء متفاجأ...
"ثملت؟"
"لا... قليلا فقط."
كانت غاضبة منه .. مؤخراً أصبح يتأخر كثيراً مع أصدقائه في الخارج ولا يدعوها لمرافقته بل حتى أنه لا يُعلمها بتأخره. لكنها أرغمت نفسها على تناسي غضبها عندما ضمها إليه من جديد. رسم قبلة قوية على شفاهها قاطعتها عندما ابتعدت لاهثة وهي تستنشق بعضا من الهواء النقي. صارحته ضاحكة: "رائحتك لا تطاق."
عاد لضمها وتقبيل رقبتها. كانت يده تنزل على تضاريسها بحماس. تسارعت أنفاسه وهو يعود لتقبيل فمها .. فأغمضت عينيها مستسلمة لمشاعرها ...
"وأخيرا سارة .. وأخيراً .. أنا أحبك جداً..."
فتحت عينيها وهي تشعر بالخواء .. لم تكن على السرير .. كانت واقفة أمامهما .. سارة وبيتر من كانا على السرير .. كان يضمها بحرارة ويعترف بحبه لها .. هما الاثنان غير مكترثان لوجودها في نفس الغرفة .. كانت تريد الصراخ .. لكنها اكتشفت أنها لم تعد تستطيع الكلام .. رفعت يديها إلى حلقها كأنما تريد إخراج صوتها بهما وصرخت، صرخت وصرخت طويلا أمام جسديهما المتعانقين....
فتحت عينيها وهذه المرة وجدت نفسها في السرير الابيض بين الشراشيف الزرقاء السنتورينية وأشعة الشمس تدخل عبر الستائر الشفافة للجدار الزجاجي الذي نسيت إسدال ستائره الثقيلة .. كانت في غرفتها في بيت فابيو النابولي .. بعيدا جداً عن بيتر وسارة .. استوعبت أنها كانت تحلم وشعرت برغبة في البكاء لكنها لم تستسلم لها بل أسرعت إلى الحمام وتركت المياه الدافئة تغسل جسدها المتعب.
سمعت طرقات على باب غرفتها فخرجت من الحمام وهي ترتدي روبها. كانت آلدا... أخبرتها بابتسامة واسعة أن السيد فابيو وأخته ينتظرانها على طاولة الشاطئ لتشاركهما الفطور .. شكرتها صونيا وارتدت ثيابها بسرعة .. كانت تتساءل مع نفسها هل حقا ستتناول الافطار مع أخت فابيو .. الراهبة التي كانت تركض بثيابها الفضفاضة والشرر يتطاير من عينيها؟
كان ما قالته آلدا صحيحا فقد وجدتهما صونيا ينتظرانها على الطاولة المظللة المطلة على الشاطئ بقرب المسبح ..
"صباح الخير صونيا."
"صباح الخير."
تظاهرت صونيا بالارتياح وأخفت تفاجأها .. لأن الراهبة الغاضبة كانت قد تحولت بين ليلة وضحاها إلى فتاة تجلس أمامها الان بشعر مسرح على شكل كعكة لم تناسب وجهها الشاب وفستان ملون فضفاض .. لاحظت صونيا في نفس الوقت بأنها استبدلت الصليب الكبير بصليب أصغر منه حجماً يحيط عنقها الاسمر الصغير ..
"أختي تريد الاعتذار عن سوء تصرفها البارحة." لاحظت صونيا كيف أنه رمى أخته بنظرات صارمة كأنه يدعوها لتأكيد كلامه ولم تتأخر الراهبة في الرد وهي تعتذر من صونيا وابتسامة مزيفة ترتسم على وجهها.
"أنا آسفة إن كنت أخفتك البارحة لم أكن أعلم بوجود ضيوف في البيت .. لقد حصل سوء فهم بيني وبين أخي وغضبت قليلا منه."
"لا تكترثي لوجودي. أعتقد بأنني سأعود اليوم أو غداً على أبعد تقدير إلى بلجيكا."
نظرت الراهبة لأخيها الذي اكتفى بالابتسام لصونيا وحافظ على صمته مثله مثل أخته .. كانت ردة فعلهما الهادئة .. غير لبقة .. توقعت صونيا أنه على الاقل سيستفسر منها سبب عدم بقائها من أجل حفل الخطوبة .. لكنه لم يهتم هو وأخته بإزعاج نفسيهما .. شعرت ببعض الاحراج لأنها قبلت دعوته من البداية لكنها عادت وبررت رغبته الحالية في رحيلها للرَّفض الذي تلقاه ليلة البارحة في المطعم. اتضح لها أنه لم يكن إنسانا لحوحا من أجل إقامة علاقة معها .. ورغم أنها لم تكنَّ له أي مشاعر إعجاب خاصة الا أن سهولة تقبله لرفضها جرحت قليلا غرورها الانثوي .. كل النساء تحب أن يركض الرجال خلفهن حتى لو كنَّ لا تنوين الارتباط بهم.
تناولوا الافطار بهدوء مستفز وعندما انتهوا منه عرض فابيو على صونيا أن ترافقه في جولة قصيرة. هذه المرة رافقهم سائقه الخاص إينزو ومع أنها كانت تفضل أن يبقيا على انفراد لنفورها العفوي من ذاك الشخص إلا أنها لم تفصح عن أفكارها وظلت صامتة في السيارة حتى سألها فابيو فجأة:

 باب البحيرة . ماروسكا (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن