من توسكانا إلى روما

72 2 0
                                    

كانت تنظف أرضية قاعة الدير الرئيسية عندما سمعت ضجة في الخارج، نظرت من نوافذ الدير التي تطل على الطريق الترابية المؤدية له فوق ربوة عالية تحيط بها هكتارات تبدو لا نهائية للناظر من حقول القمح وكروم العنب. حال أن رأت السيارتين السوداويتين اللتين توقفتا على عجل وترجل من جميع أبوابهما رجال أشداء، حتى عرفت هويتهم وعلمت بأنهم جاؤوا من أجلها.
رمت الفرشاة من يدها التي سقطت مباشرة في دلو الماء القصديريّ وتناثرت قطرات المياه القذرة على ثوب رهبنتها لكنها لم تهتم لذلك وهي تركض بأقصى سرعتها إلى غرفتها، دخلت وأغلقت الباب عليها...تنفست باضطراب شديد ... كانت متأكدة من أنهم قادمون لأخذها وهي أقسمت لن تعود معهم.
حاولت تهدئة نفسها حتى تستطيع سماع حديثهم في الاسفل ... لابد أن زميلاتها في الدير ينادين على الرئيسة 'الام' وهي بالتأكيد ستمنعهم من أخذها ... لكن اضطرابها آبى أن يخف والطنين في أذنيها لم يسهل عليها مهمة استراق السمع حتى وهي تُخرج أذنها من تحت غطاء رأسها وتلصقها بالباب ... هلعها منه كان له أسباب كثيرة أولها أنها لأول مرة في حياتها تتجرأ على التمرد عليه، وثانيها أن لا أحد لحد الأن ممن جرب التمرد عليه فلت من قبضة يده الجائرة.

فجأة ووسط زحمة تلك الأصوات التي كان يصدرها جسدها الفزع سمعت بوضوح صياحاً تلتهُ ضجة كبيرة وخطوات راكضة على السلالم تقترب .. أصوات أبواب تفتح وتغلق بسرعة حتى قبل أن تستوعب ما يحصل قفزت الى الوراء حتى اصطدمت بسريرها من خلفها عندما حاول أحدهم فتح الباب لكنه وجده مغلقا من الداخل.

"إنها هنا"

صاح بذلك وعاد يهز قبضة الباب يحاول أن يخلعها .. جحظت عيناها والدموع تنزل منهما ... نظرت لصورة العذراء في غرفتها وبكلمات متقاطعة توسلت إليها الحماية ... وفي نفس الوقت كانت الأصوات المتشابكة تصلها من الخارج.

"لا يمكنكم أن تقتحموا الدير بهذه الطريقة الوحشية ... ألا تملكون أدنى احترام لأخواتكم الراهبات؟"

"لن نزعج أحداً يا أمّنا ... نريد أن نعيد الانسة الى البيت بسلام ... فقط." أكمل الرجل وقد توقف عن خلع المقبض ... "اطلبي منها الخروج أو أعطينا المفتاح الاحتياطي."

"لا ارجوك يا أمّنا ... لقد وعدتي بحمايتي واحترام رغبتي في الرهبنة ... لا يمكنك ان تحرميني من خدمة الرب" صاحت الراهبة خوفا من أن تُنفّذ رئيسة الدير مطلبهم.

"كما سمعت الآنسة حالياَ وبرغبتها الشخصية تريد أن تظل تحت امتحان دخول الرهبنة وأنا لن أعارض رغبتها الشخصية إن لم تتراجع هي بنفسها عن ذلك أو تثبت الاِختبارات أنها لم تدخل الرهبنة عن اقتناع كامل والان إن لم ترحلوا سأطلب الشرطة فورا ... فما تفعلونه لا يغتفر."

"يكفيك ما لديك من مشاكل مع الشرطة يا أمّنا"

كانت لهجة الرجل ساخرة وهو يحدث رئيسة الدير التي فهمت جيدا ما يرمي إليه ذاك الجنوبي بينما رجاله يقفون حوله بين الراهبات المسكينات التي تجمّعن بخوف محاولات حماية الدير من بطشهم ... ورغم تهديده الواضح لها ظلت الراهبة الأم مُصرة على موقفها بشجاعة تُحسد عليها ... دسَّ الرجل فجأة يده في جيبه وأخرج هاتفه .. غيّم صمت ثقيل على المكان وهم جميعا ينتظرون الطرف الآخر أن يجيب ... تحدث إليه ببضع كلمات مختصرة مد بعدها الرجل هاتفه لمديرة الدير قائلا:

 باب البحيرة . ماروسكا (مكتملة)Where stories live. Discover now