07

29 7 0
                                    


ابتسلت للموت و استبشرت بها أخيرا، تلقّيت ذلك النبأ الذي تقت له حولا كاملا .
فرغ فؤادي من عذاب الروح و وقفت بطولي متأهبا للإستقرار بدار أرحم من مستقري هذا . 

اتهمت بخيانة الوطن و ما أنا به بخائن  ، تجشّعت عليه حريصا ألا ينزل عَلمه و ما يوجد بالسماء أدرى بصدق نواياي.
كنت و لا زلت بريء الأديم و ما جهرت بأمري هذا يوما فهو بعيون الخونة باطل و افتراء لنفسي على نفسي . وددت لو أن مُعذبتي أعارتني سمعا كما فعلت قبلا ،  حكيمة طيبة بقلب رحيم تتجلل به العظمة التي طالما ركع قلبي احتراما لها ، لكنها فقط ما أصابت هذه المرة و لست لها بلائم. 

قادني لئيم الخِلقة و الخُلُق لوكري العتم بعدما أُصدرت أوامر بالكف عن تعليم جسدي جراحا فياضة، ليس برجل يتجود بعمله لكن على الأقل استطاع تنفيذ ما أملي عليه و وصىّ على مداواة ندوبي المحفورة بإتقان على وجهي .

زج بي مجددا وراء القضبان يطعمني سم جحاله قائلا بتبلخ.

"ألا ترى أنك تحتضر إحتضارا رحيما ؟  .. أبصر ، تتلقى معاملة الأباطرة في آخر أيام حياتك..
أتخال أنك تستحق هذا؟" 

سقت قدماي صوب سريري أفترشه متجاهلا فحيحه الذي يصيبني بالسقم في أوج عافيتي. 

"أَحثرت أذنك ؟" 

تبيّغ به الدم صارخا بي ، تتَحْتح نحوي بغية إفراغ مرضه بي ، وقفت مراد مجابهته لولا دلوف هيئتها و إفراج صوتها بتجهم على ذي الأفعال المخزية .

"سيد وانغ ألم نتفق على وقف هذا؟" 

هرع بملامح ذليلة يلتمس غفرانها و يتعهد بشرفه ألا يعيد زلاته كما أسماها ، تعجبت من أمرها : تارة تقسو و تارة تحن و قلبي بين هذا و ذاك منشطر .




صرفَته بعيدا ككل مرة تزور مكاني و ترغب بالإنفراد بي ، ابتسمتُ ساخرا من الوضع و يبدو أن الأمر لم يرق لها .

"أهناك داع لهذه السخرية سيد زانغ ييشينغ" 

أفرجت كلماتها و هي تعقد ساعديها لصدرها ، تجرد وجهي مما كان يعلوه ليبقى عاريا من دون ما يفسره ، تلّهني اسمي المتراقص على ألحان ثغرها الناعم ، لأول مرة دون اسم السجين أو أي اسم آخر .

استرجعت لوهلة ذكرى كنيتي المفقودة تحت أنقاض جور الطغاة . و خضت بتلك السوداوتين غارقا بعمقهما متناسيا استحالة هذه المشاعر . 

لمحتُ توترها الذي قادها بعيدا عني،  ركنت جسدها قبالة الحائط تماما  بنفس البقعة التي حرصتُ على ملازمتها أشهرا مديدة  ، حطّت عيناها على خربشاتي مجددا لتضيق بي الأرض بما رحبت ،  تلك الأسطر  تخصني و لا يجدر لأي كان اختلاس النظر إليها   .

"ديجور مقفر و السبيل نحو النور قطع منذ أن تعهدتني الموت بلا رحمة ، حرج صدري من قسوة ما ألقيته على آذاني ، لكن الأقسى أنك تبصرينني أسير أعوجا بينما أنا مستقيم  القلب . أتراك قرأت ما تخطه عيناي، يا معذبة فؤادي؟"  

قرأتْ هامسةً و هي تجر حدقتيها ببطئ صوبي ، رفعتُ رأسي عاليا ململما عزة نفسي التي خدشت بعدما اقتحمت خصوصيات فكري المنقوشة بالطلاء الأسود.

"أظلمتك كثيرا؟" 

سخرت من هفاوة السؤال . مستعدا لإلقاء جوابي ببرودة تضاهي القيظ الناشب بداخلي .

"لا على العكس ! تأسَّلتِ بالفاروق " 

خلت أن طيفها مر بقربي حتى لامسني ، استدرت لأجزم أنه لم يكن كذلك و إنما بنيتها الحقيقية التي حطّت على أفرشتي و اتخذت بجانبي مستقرا .

احتَقبت الإثم مجددا منتهكا حرمة تلك المقلتين المزينتين بكحل عتيق الأصل ، أجزم بكل مرة أغوص بهما أن مقولة كل حرام مرغوب صائبة تماما كالخطيئة الحلوة .

يا حسرة على كبريائي الذي يذل هنا و بهذه الآونة متناسيا وجوده و محرضا  قلبي على التهافت على  كمالها  و حسن سماتها ، و يا حسرة على حقي و روحي المسلوبتين خطئا تحت رحمة أنامل كريمة المحسر ، هي تجود و تحيد كأن أمري لديها غير منقض و لا محسوم . 

"أقنعْني" 
أفرجت كلماتها بنغمة هادئة تعكس الهدوء ، قطبت حاجباي لتسترسل مجددا.

"أود فعل هذا ، أود تصديقك لذا هاتني بما يقتنعني"

أَصْفَاد بكين Where stories live. Discover now