هِـيدرانـجيا :مَشهد 2_ تَـغيير خَط القَدر .

215 14 11
                                    

رُبَما غدًا أو بَعد غَد
رُبما بعد سِنين لا تُعد .
ذَات مَساءٍ ربما نَلتقي
فـي طريقٍ عابر .
عن قَصد أو عن غَير قـصد .
___________________________________
العَـاشرة صَباحًا || بِتَوقِيت لَمحـة :

الأيَـام تَمضي بِركُود يَجعل المَرء يـخرج عن طَوره ، هَـاهي تـحمل حِذاءَها ذو الرِباط الحَريرِي تـدخل دَار أوبِرا بَاريس ، هَذا الأسبـوع مِن شَهر أيـلول غَائـم طَغى الرَمادي على بَهجة مـدينة بَاريس ، هو الذي يَسبق أسبـوع العَرض الخَـاص بِزينَب .
وَضعت حـاجياتها أرضًا تُلقي التَحية على فَتياتِ و فـتيان القَاعة ، مُتوجها لِلحمام لوضـع لِباس الرقص عَليها ، و المـتكون كالعَادة الأزلـية من قمـيص أسود ضيق مع بـنطال آخر يـحكم على ساعِديها ، تَعلوهما تَنورة مـنفوشة بِلونٍ أحمَر .
الدَقائق المُتسرِبة التي مَرت ، قَضتـها هِي جالـسة نُدردِش مع الرِفاق و الراقِصات الدَاعمات لَها في مـسرحية البجـعة السَوداء تَنتظر المُدربة و المـشرفة عَليهم أن تَحضر ... غـير عَالمة أن حُضورَها سَيغَير من خـط قَدرها المَرسوم بِدقة .
وَلجت المُدرِبة للقَاعة الفَسيحة المُنشرِحة تُصفق بِكلتا يدَيها و على وَجهها ابـتسامة وَاسعة إذا دَلت تَدل على بَهجَتها .
_" صَباحكـم سَعيدة يا سَادة ، صَباحكن أسعد يَا آنِسات "
عَلت التَهليلات و الترحـيبات من طرف المُتدربين ، الذين اصطفُوا ينتَظرون أوامـر مُشرفتهم
_" كَالعادة ، هناكَ خبرٌ في جَبعتي مَصدره رئيس دَار الأوبِرا خَاصتنـا"
تَيقضـت آذان الغَفر المـتحمس لذلك النَبأ الذي سَتزفه المـدربة عليهم .
_" مَا هـو سَيدتي ؟"
نَطقت زينـب بِنبرةِ صوتٍ هَادئة ، تُخفي وَراءها فـضولا يَكفي الكـون .
ابتـسمت المُدربة تتقدَم بين تَلاميذها وِجهتها كـانت بقعَة وقوفِ راقِصتها الأساَسية زَينب ، وَضعت يدَها على كَتفِ الأخرى تَقول بِصوتٍ هَامس مَبدئيا لِتكمل جمـلتها بِحماسٍ يتطَاير شرَره من عـينيها .
_" سَنسافـر .... إلى تُركـيا "
هـدوء عَم على جو القـاعة ، لا يسـمع فيها سِوى أزيزِ ذُبابة ، لِيكسر بَعدها الصمت بِصراخ الإناث و تَصفيق الشَـباب ، رائحـة الفَرح !
_" نَعم يا سَادة ، سَتكون وِجهتنا تـركيا اسطَنبول ، و هذا بـعد العَرض الذي سَيقـام هُنا فـي باريس الأسبـوع القـادم ، لكن سأكسر حَماسكم لكننا سنذهب للعَمل لا للمُتعة !"
علامَات استـفهام عَلت رُؤوسَـهم ، ألا توجَد راحَة حتى بعد هَذا العَرض المُتعب لهم و لأجسادِهم .
_" أي عَـمل هَذا ؟"
من نطق كـان شَاب يُلقب بِ"أنـيس" و هو مـن أمهَر الراقِصين في هَذه المـجموعة من بَعد زَينـب
_" كَما أخبـرتكم ..أم لَم أفعَل؟. دَار أوبِرا إسطَنبـول سيُقام حَفل افتِتاحِها بعد أسبوعَين أي بعد فترة العَرض أعزَائي ، و هذا بعد إعادة تَرميمـها ،  بِسبب إعادَة التَرميم تَم إعطاء عُطلة لِباقي راَقصي البالِيه في تِلك الدَار ، و بالتالي لَقد طَلبوا فِرقة داعمة لِتقديم عرضِ الافتتاح ، و وَقع اختيَار المـدير عَلينا يا سادَة و يا آنِسات."
صَمتت المُدربة تَلتقط أنفاسـها الضَائعة بعد قَصها لِكل المَوضوع على المـوجودين في القاعة .
عَودة لِزيـنب ، خـالجَتها عدة مَشاعر مُتنـاقِضة ، أحَست بِربـاط البَهجة يَضيق على قَلبِها ،و الحَماسُ يُراقـص كَبدها و القلق يَخنق رِئتَيها .
.
.
تَتـكأ عـلى عَمود رَقص فـي غرفَتها التـي تتضَمن جُزئين ، جزءٌ يُعتبر غـرفة نَوم عادِية بِسرير مع أغطية حريرية زَرقاء ، حَمامٍ مُتصل مع خِزانة دَاخلية ، أما الجـزء الآخر المُمتد يشبه قـاعة رقص مُصغرة مع أعمِدة و مَرايا مُتطاولة على كـل الحَائط و رُفوف تَحمل أحذِيتها ذات الأربطة .
لَم يـكن أمر السَفر هذا مُدرجًا في جَدولها و الذي أقل مَا يقال عَنه مُزدحـم ، التَحضير للـعرض أهلَكها و خـارت قِواها مَبدئيا ، ماذَا ستفعل بِوجود عَرض آخر و في بِلاد أخرى ...
لَكن عِند النَظر للجِهة المـشرقة مِن الأمر ، سَيكون أمرًا ممتعا ، سَتقابل أصدِقاء و تستَمتع ... ضِف لذلك سَيعَزز هَذا مـن سُمعَتها الفَنية المِهَنية ، فرصَة لا مَثـيل لَها .
أفاقَت من سَهوها على رَنات هاتِفها الذي ما إن التَقطته حتى لَمحت اسم سـيدرا يتَربع على الشَاشة ، أجابت تَضع هـاتفها عَلى رَف قَريب تُكمل رَقصتها بِملامح بائسَة تَقطر شَجنً و كآبة .
_" مَن مـات ؟ لِما تَحملـين هَذه المَلامح الكَئيبة يا امرأة !'
نَطقت الأخرى باستِغراب غـيؤ عالـمة بما يتَطلبه تَقديم رَقصة كَهذه ، لا تفقه في الرقص أصلا .
_" أتَدرب سيـدرا ، هُناك خَبر جديد يا فَتاة !"
صَرخت و هـي تَقوم بِحـركة التِفافٍ سَريعة ثم تَعود لِتنزل على قَدميها بِخفة كَريشة عـصفور سـاقطة.
_' مـا الذي جَرى ، هـل ارتَبطتِ ..أستَطيع المـوت بِسلام حَتمًا"
_" لـم أفعل ، بل سأسافـر لِتركـيا ..لا بل لاسطَنبول يا امرأة"
صَرخـات تَخللت أذنَيها حتى أحست بانفـجار طَبلها .
_" كَيف هذا ، ألم تَكونِ مَشغولة ، بدأت الأفكار الحَماسية تتدفق لِعقلي كي نَقوم بِها مَعا ، هذا عَجيب ، أحس بالحماس يعتصر مَعدتي .."
قَطعت كَلمات سيدرا عند سَماعـها لِشخصٍ يصـرخ باسـم زِينَب و قد كـانت أمـها ، السَيدة خَديجة.
_" إنها أمـي كالعَادةِ مُتخِذة أسلوب الجـيش أثنَاء نِدائي ، أراك لاحـقا ربما لَيلا"
_" لِنلتقي ليلا كـي تُكملي لي الخـبر"
أقفلت الهـاتف تُدير دِفة قائمَتيها نَاحية البـاب تُجيب وَالـدتها و الذي كـان نِداء العَشاء مع وضع الساعة المـتأخرة في عَين الاعتـبار  .
.
.
الحَادية عَشر مَساءًا || بِتوقيت كِتابٍ .

هِـيدرَانجـيَا : القَلب المُخلِص HYDRANGEAWhere stories live. Discover now