هيدرانجيا: مشهَد 13 ||نُذوبُ المَاضِي .

59 5 9
                                    

_" سبعٌ و يَوم ...سبعٌ و يَومان ... سبعٌ و ثلاث ..."
ذَاك المنزِل الخَالي كان يحوِي صوتَهَا الثّمِل ، بينَما تتخبَط ذهَابًا و إيابًا بين ذكريَات ماضٍ زادَها شقاءًا وَوجعا ... ماضيهَا ثمِل و هي فرَّ عنها عقـلها بيومٍ منه .
و بينمَا هي تُلقِي بالرأسِ على مِنضدةِ المطبخِ و بِيدها زُجاجة شرابٍ ، كانَ أونور و سيدرا متكِئين على إطار باب المطبخ كل واحد منها و على وجهه نظرةٌ مختلفة لكنها تبقى نظرةُ محِب .
سيدرا كانت تنظُر لها كمن شهِد دمارَها بِمراحله حدّ نقطة الهذيان التي رَست عندها ... بينما أونور ينظر كمن كان سَبب ذاك الدَّمارِ بها ... و كلٌ منهُما لازَال مُخطِئا بِظنه .
_" هَل أتركُ الأمر لَک أم أطردك على الساعة الخامسة فجرًا ؟!"
سُؤال سيدرا أيقضَه من شرودِه ، فأخَذ يمسَح بيدهِ على قسَمات وجهه المُتعب سواءًا من سهرتِهما و المواضيع التي أخذوا يتبادلَان القِيل عنها ... أم بسبب ما قد رَآهُ في تلك اللحظة بالذات ... من أحبّها قلبُه منكسـرة و الصدعُ بها من فعله .
_" توجَهِي لِغرفَتكِ سِي ، سأعتنِي بِها ككلِ مرة "
_" رُبما أخبرتُك قبلًا أنكَ فقدتَ ذلكَ الحَق ... لكن سأسُمح بالأمر من بَاب حُبي لكَ فقط ."
_" شُكـرا لك ... مَع علمِي أنها لن تبتغي هذَا إلا أنها لن تستَذكر شيئا ربما. "
_"رُبمَا .."
نِقاش صغيرٌ دارَ بينَهمَا همسًا أنهتهُ سيدرَا بالتفاتَةٍ نحوَ الدَّرج تصعدّه بينما خَفها ذو دبِ الباندا تحملهُ في يدِها ،اعتبر أونور هَذه كإشارته ليتقَدم ناحِية زَينب ،صَعبٌ أمـر أن يُجافِيك النَوم و يَتربع عـلى عَتبات أعـينِك و أنت فِي حَالـةٍ مِن التَشتت و الضَـياع ...ضَـياعٌ بَين مـاضٍ مُخَرب و حـاضر أكـثر خَرابًا .
أمـرُ أنه كَان السَبب فِـي تَخريب مَا كان بَينه و زينَب فِي المَاضي ..لم يَتقـبله طِوال سِنـين فِراق طَويلَة .
هِي حتى لَم تَعد تتقَبل فِكرة وجودِه حولَها و لا حَتـى قُربه مـنها .
دَلف إلى المَطبخ ذو الألوانِ الترابِية الدافئة ، حتمًا ابنَة خَالته لديهَا ذوق رَفيع ... لِيُقابِله جَسدها الأنثَوي الرشيق حيث تضع رأسَها على الطَاولة و بَين يَديها زجاجة فودكا ، كَانت بِشعرها البُندقِي المُبعثر على كَافة أرجاء الطاوِلة شبه نائمة
اقتَرب مِنـها بِبُطئ مُحاولا مَعرفة إن كَانت نَائمة أم لَا ...و أثناء مَشيه الخَفيف على الأرضية نَحوها قَاطعته بِكـلامها الهادِئ :
_" لا تُحـاول حَتـى "
تَصنم مَكانَه بِأعـينٍ عـلى سطحـها أمواجُ مَشاعر تتضـارب عند شَط عَقله .. أعَاد يدَيه نـاحيتَه ، يُخَلل إحداهما بِشعره الأسوَد الفَحمـي .
_" فلتَلخدِي للنومِ لورلِين ، تعدَى الوَقت الخَامسة صبحًا "
رَفَعت رأسَها عن الطَاولة بِخُصلاتها الشَعثاء تُحدق بِه بأعيـن حَمراء بِسبب التَعب و كذا بسبب المشروبِ بينَ يديها يُعيث خرابًا بأفكارِها.
_" تِقنيا أنا تَخطيـت السـن القانُوني ، و أنت مَن بشخصِك كي تُملي علي فِعلي ؟ فاترُكني في مَجلسي و عُد أدراجَك"
لِوهلةٍ زَاد عُلو مَوجاتِ المَشاعـر و اخترَقت حَد منطِقه و تفكـيره ، لِذا تَقدم لَها يَنزعُ من بَين أباخِسها زُجاجة الفودكَا ، اشـتم رائحَة كُحولٍ قوية تنبعث منها تبدُو كمن غطَس ببحيرةِ شَراب ، لِذا قـرَب أنفَه مـن جِدعها يشتَم تـلك الرائحَة اللاذِعة ، و هَذه حَركةٌ جَعـلتها تتَراجع للخَلف بِزاويَة كَبيرة حـتى كـادت تَقع ..لَو لا إمـساك أونُور لَها مـن عَضدِها .
_" لِما هذا الحدّ من الثمالةِ ، زَينب .."
نَطق أونُور بَينما يُعيدها مَحل جلوسِها و قد سمح لأصابعه أن تخترق حد مِساحتها الشخصية يعدِل خصلاتها بشيءٍ من الشرود بينما هي الأخرى تُحدق بأصابعه الموشومَة كفضائي غريبٍ يقومُ باستنساخ عقلها لكنها لم تلبث أن زَفرت هَواءًا مُحملا بالكُحول من بَين أسوارِ شَفتَيها تُبعد يديـه عنهَا بِشيء من النفـور منه
_" لَا دَخل لك حَتمًا يا رَجل ... "
_" هَل أنتِ حمقَاء ، لديكِ مقابلة خاصة على الساعةِ الثامنة أي بعد ما يُقارب ثلاثَ ساعات ... أين كان عقلكِ عندما اخترتِ البقاء مُستلقية على طاولة المطبخ بدل النوم . "
نَطق أونـور بِغير استِيعاب يجـلس مُقابِلها على الطَاولة ، يَغتنم وَقت ثَمالتها لِمحادثتها على الأقَل ، الحياة لا تَمنحنَا الفرصَ كل مرة و أقدَارنا بَخيلةٌ اتجاهَنا و هُو قد نَعى كلّ البعدَ هذا .
_" هَل أنت أحمَق كـي تَجـلس مَـعي ... لَست بِتلك الثَمالة كَما تَعلم ."
ابتَسمَ عَلى جرأتِها المعتادةِ سابقًا في الحَديث معهِ رَغم عدمِ وعيِها حتى .
_" لِهذا لا تستَطيعين حـمل رأسك حَتى ..فودكَا بحقِ الرب زَينب !"
صَمتت فَجأة تُحدق بِه بأعينِ المَها خَاصتـها ، كَم كـان يَتوه فـي بحـر أعينـها ، كَان غَريقًا مرةً مضت و لَم يُرد النَجاة حَتى .
_" لِمَا ؟."
كَلمة نَطقت بـها جَعلَته فـي حَيرة مـن أمرِه ... أترَاها تتساءَل عـن سَبب هِجرانه ؟ عَن عَدم عَودته ؟ عن وُعوده الكاذِبة !
عن مَاذا تتساءَل حَقًا ؟!
_" لَيتـني أعرف كـي أشرَح هَذا "
قَال يُغمض عَينيه بِتعبٍ ..لا جسدي بـل داخِلي ، سـنين مَرت و لم ينسَى أو يحـاول أن يتنَاسى .. كانَت تَصله أخـبارها كـل يوم عـلى مَدار الساعَة ، حَضر عروضَها ، لكن لم يتجَرأ أن يظهَر أمامها لِعلمه بِمقتـها له ...لكن لو تعلـم فقط !
قَاطَعت تحـديقه بِها و تفكـيره بكَلماتها المَخـمورة :
_" لا تتحَدث .. لا أريد أن أعرف ، أتعـلم ..أنا حتمًا أعامَل بِهذه الطَريقة منذ يَوم وِلادتي .. ما الذي جَعـلك تَفعل هَذا ..أخبـرني ، سأسامـحك على كُل حَال .. يومًا ما رُبمَا ."
خَتمت كَلامها تُسند وَجهها الجَـميل عَلى يدهَا ، و فـي عَينيها يَجتمع حَشد من الدُموع يطـالب بالحُرية .
صَمت ..و صُلبت كَلماته فـي حُنجُرته ، يراها تُحارب عبراتها ... ما هَذا الكـم من الألَم الذي خَلفه بـها !.
_" لُورلِـين ..."
_" لا تُكمل أونور ...لا تُجيد إلا التَحديق بِي منذُ الأزَل .. لَستَ سِوى مُحتلٍ أعاث دَمارًا فـي أرض قَلبي ..و غادَر بعدَها تاركًا شعبًا مَخذولًا فقط...و اسمِي زينب !"
نَهضت تتَرنح يَمينا يَسارًا فاقِدة مُعظم تَوازن جَسدها بينما يديها تُخفي بهما عَينيها عالمةً أنها إن بقت سَتبكِي و إن بكت ستفقدُ شخصيتها التي بَنتها بعد أن قتلـت زينب التي كانت تحياهَا سابقًا ، تُحيي شخصية زينب راقصةٌ ذات شهرة عالمية بوجهٍ و جسدٍ جميل ... بينمَا تُخفي و تدفِن لورلين عميقًا .. لورلين زينَب التي كانت تحيى على الأزرق و السهراتِ الليلية ، لورلين زينب من كانت تحيى على وجودِ أونور ييلماز يراقِصها ...اوه و تلكـ ماَتت حقًا و المنطق يقُول. .. الموتَى لا يعُودون و لا يَقصونّ حكاياتِ موتهم .
_________________

هِـيدرَانجـيَا : القَلب المُخلِص HYDRANGEAWhere stories live. Discover now