هِيدرانجـيا : مَشهد 10 || مَا مَضى لن يُعاد.

63 4 0
                                    

فلا هْوىَ بعَد هواه يُهتَوى .
_________________________________________

الحَـاضِر :
دَار أوبِرا اسطَنبول :

°°°

             أمُر وعيوني بعيونَك،
وأنتَ عيونَك لغيري .
لَطَالمَا تَساءلَت ذَات عُيونِ المَهـا ، عَـن إحـساس المُغَنـي عند لَفظه لِهذه العِبارة بالذَاتِ ، عـن ذلك الشُعور المُقـيتِ النَـاتج عن جَهـل الحَبيبةِ بِهَواه الذي جَعله يـسري فـي طرق الشَجـن كَرحـالةٍ بَين بـلدان الخِذلان .
فِي إحدَى زَوايَا المبـنَى الظَليلة ، هُناكَ قبعـت زيـنَب بيدٍ مرتَجفة تَمسـح عَلى خُصلاتِها التِي طَالت تتكِأ بِضَهرها عَلى الحـائط ، استَأذنت لِتخـرج بَعد أن بَلغ السَّيـل الزبى ... الأمـر لا يَقتصر على لِقاءٍ بعد هُـجران و لا عَلى نبضاتِ وجدانٍ  ، إنمَّا فكـرة رؤيَته بـعد كلِ هَذا الدَهر لَهوَ أمرٌ ليسَ بالهـينِ عَليها ، ربمَا لن يتفَهم أحدٌ ما يُخالجُها ، أنهَا تتخبَطُ بينَ العقل و القَلب ، بَين النُفورِ و الحَنـين ، دونَ أيّ وقتٍ مستَقطع.
_" زَينـب !"
صوتٌ انبَثق من المَجهُول يُخرجها مِن تحديقِها الغَريب بالأرضيَة بِحاجبَين متقَاطعين دَليل عـلى ضَيقِها الشٌديد .
رَفعت المَعنية بالامرِ رأسهَا بِبطئ كَي ترَى هُويَة المُنادِي و لـم تكن سِوى سِيدرا التِي هي الاخرَى أصبَحت تُحدق بهَا بِملامحَ مقتَضبة لَم تتَيقن الاخرَى سَببها بَعد ، تتجَاوز نقـطة وقوفها بعـد دَقائقَ قليلَة متقَدمة لِتمسِك بكَتفـي زينب التِي لازالت تُلقِي بثِقلها على الحَائط ..
_" هَل انتهَى عَملك هنَا ."
نَطقت سيدرا بِنبرةِ صوتٍ منخَفضة تتَجنـب نشرَ عبثِيتها فِي الأجواء الخَانقة ، و سـرعان ما أومَأت زينب برأسها تتركُ الأخـرى تَجرها نحـو الخارج .
وجهتهما كَانت سيَارة سيدرا التِي لا تحتوي على سقف حتى ..و التِي لم يتغَير محلُ ركنها منذ أن أحضَرت زينـب هنا منذ ساعة و نِصف ربما .
بعدَ دخولِهنّ أول من تحدَثت هِي سيدرَا ، كَمحاولةٍ منهَا لاستخراجِ بعض الاجوبة من جَوفِ الأخرَى التي أبَت أن تردّ حتى ، مَع تحدِيقها العمِيق باللاشَيء !
_"إن كَانت رؤيتُه لِوقتٍ قصيرِ المَدى جَعلتكِ بهذا الضياع .. كَيف ستمضينَ باقِي الطَريق ؟"
سؤالُها انبثقَ بهدوء يليق بالمَوقف ، بعد أن ألقت برأسِها للخَلف تشاركُ صدِيقتها في جَولة التَحديق بالسمَاء الصافية ، لِتَسمعها تَرد بعد فترةٍ موجَزة بِفتورٍ بادٍ على نبرتها :
_" لا عِلمَ لي ، الامرُ مُـشوش حقا ..و كَل ما أعلمـه عن مَوضوعي مَعه الذي انتهَى قبلَ أن يُذكـر هو أنّ مَا مَضى لـن يعَاد أبدًا"
زَينب تَعهدت هُنا بعدم المـضَي في نَفس الطَريق الذِي حُرمَ عليهَا مسبقًا ، لكـن و بِحسب المَادةِ الأولى مِن دستُور كيوبـيد ، لا فرقَة بـين ألفَةِ قَلبين ... !

________________________________
خُروجـه من تِلك القَاعة كَان بطِيئا ، ذِهنهُ تاهَ بين أروِقةِ التَفكيرِ في أحياءِ الذكرَياتِ ، ذكرياتٌ أحرِقت لرمَادٍ تناثـر أرضًا عند أولِ نظرةٍ خاويَة ألقتها زَينـب عليه ..
يَد تمركَزت على كَتفه تُعيدهُ لواقِعه ، و لم يَكن سِوى أنـيس ، و قَد أكمَل سيرهُ مع الآخر بجمودٍ على مَلامحه هو الآخر لكن كلمَاته لم تخرج جامـدة بل بهَا نوعٌ من اللومِ و قليل من الحَنين :
_" سَبعُ سِنينَ عجافٍ ، يا أخِي ... و لم تتَكرم حَتى بِلفِ بصركَ لمَن بقوا خلفَك كَلمحةِ وداعٍ ... خصوصًا هِي !"
أونور أنزلَ رأسه ينظـر لما تَحته يحاوِل ترتيبَ كلماته ، لكنه سرعَان ما انتصَب يوجِه نظرهُ نحوَ أنيس محاولا شرحَ الموضوع ... يعلم أنهُ قَد أخفَق !
_" لم يَكن الامرُ بيدي أنيس و لو كَان لم نكن نَصل لهذا الحَد !"
_" أعلم ، شرحُك لا يجِب أن يكونَ مقصودًا لي أو لِباقي جماعتنَا  ... تَعلم ما يجـب عليك فعله إن كنتَ أعزب ! ... "
رَفع أونور حاجبهُ للطُفيلي الذي لم يتغَير قَط أمامه ... تَستهويهِ فكرةُ اقتحامٓ حَياةِ الناس الشَخصية .
_" لا لَستُ أعزَب .. "
التفَ مغادرًا بعد أن ألقَى قنبلةً في وجه صاحبه المتصنـم ، و سرعان ما عادَ لوعيـه يجري وراء أونور كَي يقتلهُ ... بالاسئلة الكَثيرة طبعًا .
__________________________________________
بَعد أن أقلّت سيدرَا زينـب لمنزلها الخَاص ، عَادت أدراجَها لمَكان عَمل أمها و هَدفها الوحِيد هو حِصار أونور في زَاويةٍ ما و خنقـه حد أن تُوافيه المِنية .
دَلفت لتلكَ الدَّار التِي تعجُ بالفنانِين على حدٍ سواء في وقتِ كهذا ، الظَهيرة .
و قد كَان أولُ ما وقعت عيناها عليه هو أونور ، زَادت من سرعة تحركُها متقدمَة له تشبه لبؤَة جامحَة تنوي الانقِضاض على فَريستِها المِسكـينة .
_" أنت مَيت !"
نبرةٌ خرجت منها مَشحونةً بالغيظِ ،و قد تَنبه أونور لها مُتأخرا ، بعد أن ركَلته سرًا على رُكبته بِكعبِها الأبيض.
_" و ما الخَطب الان ، لا أريد أي مشاكِل منك الآن بيرسفونِي"
أمسكها من رسغِها بعد أنِينه المتألم من ضربتها ، يقودها لِمكتبه غَير غافل عَلى أنِيس الذِي قد تَبعه والجًا معهم الغرفة الفَسيحة .
_" أنت ... لِما قَررت تَولي تَدريب الفرقـة خاصـة زَينب ... ما هَدفك من هَذا !"
_" مَا دخلك ؟"
_" من هَاته النَارية !"
نَطق ثَلاثَتهم سِوى أنيس عَبر عن أقواله بِلغة فَرنسية طَليقة جَاعلًا من سيدرَا تلتَف له بِسرعة ... رفعت سَبابتها تُشير لَه نزولًا ثم صُعودًا لتتوقَف عندَ وجهِه قائلةً بسرعة بنفـس لغته :
_" وَسيم .. لَكن أشقر فرنسي ، للأسف "
ما حدثَ تاليا هو أن أونور رَفع يدهُ يصفَع الاخرَى التِي تلصِق عينَيها بِكل شابٍ وسيمٍ
_" اتركِي الرجُل  ، متحَرشة ... "
التَف حولَ مكتبه ياخذُ مقعدَه الجلدِي مجلسًا ليـشير هو الآخر باصبعه السَبابة لها قائلا:
_" الأبيض لا يليق بٓك حتمًا ، و اسألي أمكِ هي من قَررت هذا ..أنا مجرَد بَيدق في الدَار .."
عينَاها تدَحرجت على كامل هيئتها ، تلـك البدلَة البيضَاء الانيقة المُلتفة حولَ جدعِها مع كعبٍ من نفسِ اللون ، و الشيء الوحيد الذي كَسر بياضها هو شعرها الاحمر كلهُ و لونُ شفاهِها القريب للونٍ بني .
نفسٌ ساخِر خرج منها ، تُزيح بِوجهها عنه ..تتعَجب من جرأته أن يَعنتَ ذوقَها بالقَبيح !
_" تَقصد أن ذوقِي غيرُ جميل ٍ أيها الدَّاكن اللعِين ...كل شيءٍ بٓحياتك أسوَد ... و آخر شيءٍ قد كَان أزرقًا أنت بيدكَ لونـته بعتمَتك ..لذا لا تتحدَث "
خَرجـت مسرعة تاركَةً وراءها عِبق اليَاسَمين فَقط مع دمارٍ شاملٍ خلفَته بالآخر ..
أنيس الذي كَان ملقِيا كل جسمه على أريكةٍ وضعت في المكتب يُقلب في صَفحاتِ مجلةٍ وجدها أمامه ، بعد أن سمَع عبارةَ الاخيرة استقام يحاول معرفة ردَةِ فعل أونور ..
الآخر الذي اشتَدت قبضَته و بَرز خطُ فَكه ، لمعةٌ كانت بأعينه بعد ان التقَى بأنيس اختفت الان ، و هذا ما لاحظه أنيس ..
_" لا تَستمع لتـلك النارِية ...مرت سِنين فَقط تَخطَّ الامر ، واثِق أن زَينـب فَعلت رغم تَجاهلها لكَ !"
و مَا يعـلم هو عن خبَايا قلبٍ خُدشَ مرة و لم يُرمَم أيّة مرة !

_________________________________________
To be continued 😂✨
.

.. الافكار ..باي باي سلام

هِـيدرَانجـيَا : القَلب المُخلِص HYDRANGEAWhere stories live. Discover now