هِيدرانجيَا : مشهد 12 || لأجلِ الحُّب .

81 2 1
                                    

" و بينَما كَان شمسًا ، أحرقنِي "

___________

_" هَرمتُ من أجلِ هذه اللحظَة "
منظَرُ سيدرا و هِي تعقدُ شعرها الأحمَر عاليًا بربطة كَانت بِيدها قَبل أن تَدخلَ مَخبأ سَيارات أونور كَان منظرًا مضحكًا بنظَر المَالكِ الذي يمسحُ على سَياراتِه بينما يُشاهِدها تلقِي انظارها على مَجموعته الخاصة من سَيارات السرعة ، فَهو بِطبعه أيضًا يميلُ للسيارات التي تَكون خَفيفة أثناءَ سياقتها ..و سَريعة .. و عَلى ما يَبدو فهذَا يجرِي بدمّ العائلة ، دونَ أي وقتٍ يملكانه ليضيع فالساعَة تُعادلُ الواحِدة بعد منتصفِ الليلِ و خمسِ دقائق تحديدا ، توجهت سيدرَا نحوَ لوحةٍ معلقة بالحائط بها مَفاتيحُ سياراته لتحملَ مفتَاحا كانت تراهُ الوحيد بين عَينيها .. 'لُوكَاس'
و أمّا من يتساءل ..لِما لُوكاس ، فذلكَ له علاقةٌ كبيرة بِطفولة راقِص البالِيه ذاك و القِصة مُحرجة لا يوجد أيّ داعٍ لجلبِ سيرتهَا الآن.
أفرَجَ أونُور عن ما يُخالجه من تساؤلاتٍ يسرع فِي ركوب سيارته قبلَ أن ينَام واقفًا  قائلا:
_" لن تَقتلِينا صحيح ..  خدشٌ واحد بسيارتي أو بِي أناَ و أنت حتمًا جُثة بعد ذلك"
الابتسامَة الحَقيرة هي فقط ما تظهر على وجهها الذي يملَؤه الحماسُ فقط تتجاهل حقًا أنها أيقضته على الواحدة صَباحًا تطرق باب البَيت بملابسَ نومٍ سوداءَ و خفٍ به دُبٌ أبيض كَان أم بَاندا ..لا يَتذكر ، بل  لا يَهتم حقًا !
_" هَل نقطَعُ القارتَين ؟!"
_" بأحلامِك ... جَولةٌ خفيفة بالطريق الرئيسي السريعِ نَحو الشاطِئ ، ثم نعود"
ردّ أونور على سؤالِ سيدرا و بقصدها القارتَين أي تقطعُ جسرَ البوسفُور اللعين الذي يَمر فوقَ المضيقِ بين أوروبا اللعينة و آسيا ... و هذا حتمًا لن يحدث فالوقتُ بينهما ساعات و هو سيموتُ تعبًا ، ثم ... من يُسافر بِملابِس نومٍ قصيرة ليلا و الجو بَارد ... ابنَةُ خالته هذه حتمًا تمتلك خَللاً دماغيًا حادًا .!
_" إذًا تشَبث ... لُوكَاس سَريع عَزيزي  ..هل بِه مُحرك تِيربو لعين !"
_" مُحرك التِيربو هُو دِماغك سيدرَا "
بِتجاهُلها لِتعليقِه المُهين ضَغطت عَلى عَجلة السُرعة تحت قَدمها مانعةً أونور أن يُدلي بايّ تعليقٍ حتَى ، و وِجتهم كَانت اقربَ شاطِئ ... فالمُحادثَات الليلية بعد جولاتٍ سريعة كَانت طقسًا آخر من طُقوسِ علاقتهمَا الوَطيدة منذ أن حصَلا كلاهُما مَعًا على رُخصة سِياقة  و التجرُبة حقًا لم تَكن عادِية فالجَالسة بمقعد السائق كَادت أن تَقتلع يَدَ مُعلم السياقَة و هُو الآخر قد اصطَدم بِالمُعلم نفسه راميًا إياه على بُعد ثلاث أمتار من السَيارة ... و لَو لم يكن وَالده يُجيد التعامُل و لم يكن ذو سُمعة جيدة ... لم يَكونا لِيحصلا على أي رخصةٍ لعينة كي يَقتلا بها الشّعب المِسكين ... فَما الذي يَقصُدانه بِقاعدة    :        " السُرعة أو المَوت كَحلزونٍ أعزب " ؟!
رَكنت سيدرا الفِيراري الحمراء التِي تحتويِ على طَبعة حلزونٍ اسمهُ تِيربو من فلمِ أطفالٍ في جانبها فَحسب ما يبدو هذا ما يقصدُونه بالسرعة أو مُت كحلزون لعين ... فالفِلم قد عَبث بأنظمة عقلهم الصغير حتمًا !
ما يقابلهم كان بحرًا هادئا فوقه سماءٌ مرصعة بالنجُوم لهذه الليلة ..  جَوٌ رائع بنظر أونور الذي خَرج من مقعده بالسيارة يفـرد يديه لِيداعبه النّسيم الليلي البَارد و الذي حتمًا سيدرا ستتجمد بِسببه و بسبب ملابس النوم الخَفيفة عليها لذا لم يغفل عَن أمرها بينَما يُناولها السُترة الصوفِية السوداء التِي كانت على كَتفيه يضعها بالمُقابل على كَتفيها هِي و قد أخذتهَا تَلف جِذعها بِها بينما تتكِئ على سيارتِه بِجانبه ينظرانِ معًا بنفس اللحـظة ناحِية البَحر و أمواجِه و المنظر مُصاحَبٌ بصدَى الأمواج و الصوت الذي يُحدثه اصطِدامُها بالصُخور على الشَّط .
_"هَل فكَرت يومًا بالانتِحَار ؟!"
حَسنا ، لا مُزاح ... فابنَة خالته قَد فاجَأته بِسؤالها الذي خَرج بنبرةٍ هادئة تماثِل شرودَها بما تراهُ أمَامها ... لَيس أنه لن يُجيبها بل سيفعل و بِكل شفافية يملكُها اتجاهها ، الأمر فقط أن اللعب على أوتَار الماضِي لم يَكُن أبدًا أمرًا مَحمودًا لديها و الان هي من تطرح أسئلة كهذِه ... و لكن هَل فكرّ يومًا بالانتِحَار كَمهرب ..لم يَفعل حتمًا فَما يُؤمن بِه يمنعُه من نسج أفكارٍ مُذنبة كتلك ... و الانتحار بمفهُومه خَطيئة و الخَطايا لا تُمسح من على جَبين الآثمين بِحق أنفُسهم ..نعم قد تكونُ آثما و إثمك أنك قَسوت على نفسك ...قسوتَ عليكَ أنت ..على كَيانك و كينونَتك و على مَا أنت و مَن أنت و الأمر لا يُغفر !
_" لَا ، مَا نفـسِي بِمُخطئة بحقّي ..فَلما أخطِئُ بحقّها !"
_" لكن الحَياة تُخطِئ بحقنّا مِرارًا و تِكرارا أونور ، و نحنُ ضعفاء ... نَحن ذوِي كيانٍ هشّ تحملهُ الرياح و تسرِي به نحوَ المَهالك !"
أومَأ موافِقًا على كلامها مرةً أخرى بينما هي الأخرى جلست على مقدمة السيارة تُقابله لِيحظيَا بنقاشٍ وجهًا لوجه بينمَا تستمعُ لإجابته و بداخلها تتذمَر كأنه يُعطيها مُحاضرةً مَا :
_" سِي ، أتَعتقِدين أنكِ وُلدتِ لِتمرحِي أو للعيشِ برفاهِية مُثلى ... هذه أضغاطُ أحلامٍ يا امرأة ...تَخيلِي الحَياة كَوباء لن ينطَفئ إلى أن تَخمد شعلة المرء و يَموت ..لكن بعد أعوام الوباء أعوامُ ازدهار و إعادة ترميم بعدها ... يُكتشف العلاج و يصبح الأمر روتِينًا كذلك ما يحدثُ معنا ... "
قصّ كلامه بِمنتصف بينما يأخذُ بيديها بين كَفيه و عينيه بعينيها يكمل ما كان يقوله :
_" تَكسرك الحياة، تتألمِين أول الأمر ..ثُم يقل الألم ..ثم يقّل ثم يَزول ... ثُم تعتاديِن الأمر و تصبحِين منيعةً ضده .. لا زِلت صغيرة بيرسفوني. "
_" أنا بالسابعَة و العشرون أكاد أبلغُ الثامنة و العشرين !"
_" صَحيح غفلتُ عن هذا الامر ...أنتِ عجوز بائسة عزبَاء "
و مع إنهاءِ أونور لجـملته انطلقت منها ضحكاتٌ كاسرةٌ لسكونِ الليل المُحيط بينَهُما بينما تدقّ ساعة الثانية بعد منتصف الليل و يزدَاد الجو بُرودةً ...نعم ..حتى العالم يمشيِ عكس تَيار امراةِ الأحمَر ...أم أنها تمشِي عكس تيارِ العالم ...الأمر يتطلبُ تفكيرًا ... و نظرًا لأن كلاهـما ضد التفكير قررَا تغيير موضوعِ الدرامَا و الحِكمة لموضوعِ العشاق و الخيانة ..حسبَ ما وضعته سيدرا من ألقابٍ .
_" أكَانت نائمة عندَ خروجِك ؟! "
_" لَا كَانت ثَملة لا تِفرق بين يَمينِها و يَسارها حتى "
أتتكلمُ بجدية ! أهَذه الفتاة مُقابله تركت صديقَتها الثملة وحدهَا بمنزلها الثمين...اوه نعم هي قد فقدت عقلها و الدليل تعجب أونور من الأمر و الدهشة لا تُخفى في نبرته :
_" أتعلَمين حتى ما هِي بقادرة على فِعله أثناء الثّمالة ! "
أوقفته سيدرا عندَ حدّه عندما و بلحظةٍ مَا ضربت بِيدها سطحَ السيارة تستقيم من مجلسها و إذ بهَا كالمُختل تمشي ذهابًا و إيابا أمامه و عندَ كل جملةٍ تقولها تتوقف مُقابله لتُعطيه نظرة " أنت حَقير وغد " !
_" تِلك من تتحدث عنها لم تعد موجودة!"
_" أنت لا تعلم عمَّا قمت به بِنفسك صحيح "
_"أحقًا تجهَل كمية الدمار الذي خلفته في الفتاة !"
_"أمور ثمالة مؤخرتي ...كلمَا تثمل ماذا تفعل برأيك أيهَا العبقري اللعين ؟!".
من طرقات أصابعه بشكل نوتاتِ سيمفونية على السيارة يستطيع الجميع أن يعلم أن المقصودَ بالأسئلة غاضب ..ليس من أحد بل على نفـسه ..أونور يشتاظ غضبًا على نفسه و لا يستطيع كظمه حتى ... يستطيع إبراح نفسه ضربا و ابنة الخَالة لا تُساعده بينما تُكمل ما تقوله مع نظرة الوغد الحقير أو العكس لا يهُمه حاليا :
_" تُلقي برأسها على أي شيءٍ قريب .. و تَعّد ... تعد الأيام الشهور و السنوات منذُ أن حدَث ما حَدث ... كل الساعات التي مرت ..كل الدقائق و كل الحَسرات ..و أنت ماذا ..تعتقد أنها مازَالت زينب التي ترمِي بإيحاءاتٍ مخلة بالأدبِ أثناء ثمالتها ..من ترمي بنفسها بحوضِ سمكٍ لعين لا يسعُ قطة !"
المُقاطعة واجبة و بهاته اللحظَة أونور  قاطع سيدرا ينهضُ من محله بينمَا عرقُ جبينه ظاهر والضغط على فكه لا يخفى ينطق بنبرة يتخللها الصراخ و شيء آخر لَقطته الأخرى التي تراه و لأول مرة يصرخ بوجـهها :
_" ما الذِي كان عليّ فعله ! أخبرينِي ... لم يكُن بيدي الوقـت لأشرح ما فَعلت و ما كنت بصدد فعله ... تعتقدين أن الامر لو كان بيدي لتركتها لسبعة سنين لعينَة ..عشر شهورٍ و اثنتَا عشرةَ يوم! "
اكمَل بينما يضع يديه على غطاء محرك السيارة يلقِي بالرأس و الكتفين للأسفل و بدَى مُنهزما و هذا قد آلمها ...لم يجب عليها أن تقول ما قَالته و هي تعلم بِظروفه :
_" تَعتقدين أنني فقدتُ الأمّ فقط ... من بَين كَفيّ رحل الكَثير و أنا بمكانِي دوري الوحيد هو المشاهدة بينمَا أخسَر ...و كما كَبرت عَلى أن  اتخطَى الخسارَة و أعوضها بفوز جديد لم يكن بمقدوري فعل ذلك ! ما لم أعشه هنا قد عِشته خارجًا مع زَينب و الامر ليس بعابر..نعم خسارة لكنني أطمح أن أحولها لربح...رِبحها هي و ليس أنا !"
_" أونُور توقَف ..."
أمسكت به من كَتفه تديره نحوهَا فالحديث مطولٌ و لن ينتهي على خير و كُل ما تراه ظهره !
سيدرا و أونور ..كَبرا معًا و تعلما كيف يتخطيان الدمار جنبًا لجنب... معه تعلمت أولى خُطواتها و أولى كلماتها كانت اسمَه ... و أن تكون سبب حزنه و غضبه ... هذا لم يكن بالحُسبان قبل ! زيُوس يحتاج لبيرسفونِي لبعض الحماس و بيرسفوني تحتاجُ زيوس لبعض الراحة ...يُكملان بعضهما نفسيا لذا ..ما اللعنة حاليا مع لعبة من الحزين المدمر اكثر فالكُل يعرف الجواب على السؤال هذا !
_" بعدَ أن تمّ هجرِي بالمَشفى بعد تلك الحادثة كنت قد سافرت لِباريس ... لا هربتُ بمساعدتك طبعا كعَادتي ...لم أكن أخطط للقاءِها أبدا ... بل فقط وجدتها ببرج إيفيل ترتدي لونا أزرقًا صيفيا بالشتاء دون مظلة و شعرها كلهُ أزرق ..استغربت منها حقًا "
بدأت تتذكر ما حدثَ تقصه عليه بينما تُمسد على كتفه و هو يستمع لما تقوله دون أن يقاطعها مرة أخرى :
_" كُنا فتاتَين قد تم هَجرهما بطريقة غير مناسبة ... من يفعل هذا إلا الأحمق فأنا و هِي  ... آفروديت لا تقارن معنا أونور.. أنتَ و هو غبيان حتما ! "
هذه الفتاة نرجسيتها لا تنقص بل تزيد ..هذا ما كان يفكر به اونور بينما يحاول جاهدًا دفعها عنه بينما هي لا تتزَحزح فقط تحضنه بقوة !
_"سألتها عن اللون الأزرق أولًا قد قَالت إنهُ شِعارها ..لم أفهم هذا إلا بعد أن اشارت لكل شيء أحمر كنت ارتديه ..نعم كما الأحمر هو شعاريِ كان الأزرق خاصتها ... و كَما كان خاصتِي دَمٌ لأجلِ الحُب ..كانَ خاصتُها دَمعٌ لأجل الحُب و كِلتانا نُؤمن بأحقِية الحزن على السعادة بأحقِية دمار الحب على بقاءِه .. و من هنا تعلقت بها كَخُطافٍ لعين ملتصق بسروال الصياد "
_" تشبيهاتك غريبة !"
_" ركز على قصة حبيبتك ليسَ على تشبيهاتي !"
لم تنتبه أنها قد دَعتها بِحبيبته إلا بعد أن دفعها عنه يَنوِي دخول السيارة لِيقود و هذا جعلها تمسكه من أُذنه تعيده لِيسمع باقِي القِصة ... هذا وقتٌ حتمًا رائع لقصص المَاضي لا يجب تضييعه ... الليل عَدوُ سيدرا فكل صباحٍ تندم على ما تقوله ليلًا ... دومًا و كل مرة !

هِـيدرَانجـيَا : القَلب المُخلِص HYDRANGEAWhere stories live. Discover now