هِيدرانجـيا :مَشهد 5_ أغـلَالُ حِقد

93 10 0
                                    

لا تَنخَدِع إن رَأيتني مُتماسِكةً إني أتَلَوى مِن الألَم "
_______________________________________
توَقفت سَـيارَة سَوداء مُقابل مَدخل دَار أوبرا اسطَنبول ، بداخـلها كانت سيدرا و إلى جَانبـها زَينب ، فعِند وُصولـها للمَطار البارحَة ليلًا وجدَتها تنتظـر ،تعِد الثوانِي على وُصولِها بهَالاتٍ سودَاء تَحت أعينِها .
_" أنا مُتأخِرة عن المَوعد اللعـين و هَذا كله بِسبب أظافـرك اللعـينة يا رأسَ المَشاكِل "
أطلقت زَينب سـيلاً من الشَتائم على الأخرى التي تَلتصِق بِبابِ السيارَة خوفًا من اشتعالِ صديقتِها غضبًا ..ما خطبها هِي متأخرة فقط بِعشرين دَقيقة !
_" لا بأس لَن يطـردوك من الدَار ، أنت فقط تَقومين بِعملٍ خيري لهم "
رفعت زَينب يدها تُحاول صفع سيدرَا التي فتحت الباب مُسرعة تهرب بجلدها من مخالب الغاضبة تلك.
_" سأدخل ، سأذهَب للفُندق مع باقـي المجموعَة بعد هَذا"
_" أي فندق يا امرأة ، ستبقـين عندي"
_" لا أعلم ، إنهم يحـتاجونَني أصلا ... و سيدرا ..ابتعدي عَن عَمود الإنارة "
أخبرتها بما لديها من كلامٍ تقـطع الطَريق الخـالي نَحو الدَارِ .
و لازالت الأخرى ملتَصقة بِعمود الإنارة !
.
.
مع أولَى خُطواتها داخـل المَكان أحَست برائحَة الفـن تُحاوطُها و المَشاعِر الجَياشَة تتفَرغ في ساحـة قلبِها 
حَاولت التَركيز عـلى مُهمتِها و هي البحث عن باقِي الراقـصين ، و بالتالي أشاحت بأعـينها عن السَقف و الأعمدة تتوجَه نحو عامِلة الاستقبال تسألها عَنهم.
تَكلمت بِلغةٍ فَرنـسية فَصيحَة تسألُها عـن المَجموعة القـادمة و لِحسن حظها هَذا الـيوم كـانت المرأة مُقابلهَا تـفهم الفَرنسية بشكـل جيد ...استَلطفتها زَينب و كل ما ركزت عليه أثناء التَحديق بها هو جمالُ اللون الأزرق عليهَا .
اصدِقاءها كـانوا في الطَابق الرَابِع مع المُدرب المُشرف عليهم و بالتاليِ اضطَرت لأخـذ المِصعد.
وَلجت للمِصعد تضغطُ بأصابعها الرقيقة على زِر الطـابق ، لَفت نَظرها مِرآة على حائطه فانتصَبت أمامها تُحدق بهيأتِها ...حيث كـانت ترتَدي ملابس تنبض بالثَراء و هَذا ليس من شِيمها بل من شيم سيدرا مَهووسـة المـوضَة .
فُسـتان أسوَد  يُظهـر عِظام تُرقوتها يبـرزُ طولَها و بنـية جسمِها الرقيقة ، هي راقـصة باليه في الأخـير .
تضع فَوقها مِعطفًا جلدِيا أسود حَد خـصرها خاتِمة الأمر بِكعب من نفس اللون .
سَمعت رنَة المـصعد وهذا دَليل عـلى وصولها ، فخَرجت تطرق بذلك الكَعب الرفيع على الأرضية الرُخامـية ، وِجهتها حسب قول فتاةِ الاستقبال قاعَة الرقـص الأولى عَلى جَانبها الأيـمن .
وَصلت لِحد البـاب تسمَع وشـوَشات و كَلام بِصوت يكاد ينعدم خَلف الباب العَاجـي و قد فكرت ربمـا يكون هَذا بِسبب الغرفَة العازلة للصوت ، حيث هناك عدة قـاعات و بإرتفاع أصوات المـوسيقى بداخـل كل قاعة تخـتلط الألحان على الراقـصين و بالتالي يتطَلب الأمـرُ غُرفًا تعزُل الصوتَ و تضـمه في كَنَفها .
أخذت زَينب عدة أنفاس عَميقة تَرفع يدهَا مستعدَة لطـرق البَاب .
.
.
.
أونـور ، و بِهيئته التـي  تُخبر النَاظر أنه فَرد مَرموقٌ في المُجتمع ، بطَقمه الدَاكِن و هندَمته ... بَقي يدور حَول الراقـصين من مجموعة زَينب و من بينـهم أنـيس و دِينا ، يسمَع الكـل يُعرف عن نَفسه ، عمره و مدةِ تَدريبه بِلغة فرنـسية ، يومِئ برأسه بـكل هدوء .
لَم يرد أن يقـول أنه يعرفهم وجها ،اسمًا و عمـرًا ، أحسّ أن الأمر اخترَاق لخصوصـية هؤلاء الأشخاص ، فِكرة البحـث عن أمورهم الخـاصة.
عَرف الـكل عن نفسه و بَقي أونور يحدِق بِهم جَالسين بِتنظيم جـلسةً تخبر عن صاحِبها أنه ذو شأن ما ، أن المرء يعبث بأنامِله في طلاءِ الفَن يُلطخ لوحَة الحـياة البَيضاء بِألوان زاهِية .
_" هُناكَ فردٌ ناقِص .. عَددكم لَم يكتـمل يا سَادة و يا سَيدات ."
قال أونُور يُمرر أعينه على الشَباب أمامه ، حتى التقطت آذانه من يستأذن كـي يتكَلم .
_" أيهَا المـدرب ، هُناك فَتاة لم تَحضر بعد ...قائدَتنا "
أخرج أنيس حروفَه يعبر عن غِياب قائدته و صديقَته من جِهة أخرى ، كونَها لم تُسافر معهم بل في طائرة وحدها .
اعتَدل أونور يقابِل أنيس ،  كاد أن ينطـق حتى قاطَعه طـرق البَـاب .
.
.
طَرقت زَينب البَاب وَ مدت يَدها بَعد ثَوانٍ للمِقبض الفِضي تَنوي فَتحه ، باعتقادِها أن طرق البَاب لا يُسمع .
فُتح البَاب من الطرفِ الدَاخلي فانـدفعت هِي نتيجَة جَذب يدها مع المـقبض ، اختَل توازُنها و في تـلك اللحظة كم تَمنت أن تخنق سيدرَا بِحبل قَفز .
بلحـظة خوف و فَزع أمسَكت بِسرعة قَميص الشخـص أمَامها تَقِي نفسها من أمر تَقبيل الأرض البيضاء الجَميلة إن وقعت .
تَصنمت في وضعـية غَريبة و الكـل يراقِب ، حـيث بِيد تُمسك قميص من فتَح الباب و بِيد أخرى تُمسك هاتِفها تمنعه من السقوط و شعـرها مُبعثر على كـامل وجـهها ، يا لَه من موقف ...
_" يا آنـسة ..."
اتسعَت عيناهَا دَهشة ، و عَاد عَقلها للعَمل بعد توقُف بسيط ، ابتعدت عنه تستقـيم في وقفَتها تبعـد شعرها بِسرعة عن وَجهها تحاول معرفة مـن الشخـص الذي تعلَقت به كَقردٍ يتعلقُ بِشجرة ..و يا لَيتها لـم تنـظر له .
مـعركة تحدِيق نشأت بَينها ، هـي تحدق بـه بلا مَلامح ، و هو أخذته غَفوة مشاعـر عند تلاقي كُحليتاه مع حدقَتي البُن الصافِي خاصتـها .
اختَلتِ المَوازِين لَحظة دَقِ السَّاعة فـي تلك الغُرفة ، رمَشت زَينَب تُبعِد حُدقَتيها لِبرهَةٍ عنه غافِلة تَكونُ أو لَا عن أعيُنه التِي رَقّت ، تمُر عبـرها شَرارة أَلم رُبما ؟
ابتَلعت غَصةً كانَت متوقِفة منتَصف حنجُرتها تمنعُها من اطـلاق كَلماتٍ حرةٍ طَليقة ، تَهز رأسَها بِخفة اتِجاهه .
أولُ من تَخطى رَجفـة الروحِ تـلك كَان أونُور ، يَمد كَفهُ يبسُطه ناحيَتِها يَطلب مُصافَحتها و قَد فعلت هِي المَثل تنفُض رَماد الذِكريَات عن جثـمانِها ، قَد مَـر دَهر أغلَـقت على وِجدانِها بِداخـل قَفصٍ  رَامِيةً مفـتاحَه الوَحيد وَراءَها ، و هُو الحـبْ !
مَن قَال أن العَقلَ يحتفـظ سِوى بأبـهى الذِكريَات و أسعدَها ، نَسى أن مَقَرُ أسوَءِها ..الأوحَد الأحَد هو القَـلب ، أي ذِكريَات هاتِه ، و أي مَرءٍ عاقلٍ يرغـب بمَا يَقتطع وِجدَانه و يرمِي بأطرافِه في النَواحِي ؟!
مَدت يَدها ، تُصافِحه ، و قَد اختفَت يدُها ذات الأصابِع النَحيلة دَاخِل كَفه .
_"زَينَب ..بورْجوَا ، الراقِصة الأساسِية لِدار أوبِرا بَاريس "
أفصَح عن كَلامه ، بِهزةِ رأسٍ ناحِيتها بَدى كَمن اقـتلع الرِقة عن مَلامحه و عوضَهَا بِجمودٍ معتاد .
_" أونور ييلـماز ، مُدرب فرقتك طوال مُدة بقائكم ، شكرا عـلى قبولكـم مساعَدة الدَار خاصَتنا ."
تَصافـحت الأيادِ و اهتَزت القـلوب .
لَـم تُحلِق القُلوب هُنا ، إنها مُحاطَةٌ بأغلالٍ ، أغلالُ الحِقد و البُغض ، سلاسِل اللَّوم و الألَم ، و أكثَرها قـوة ، أغلالُ كـره ابتدَأ يتغلغل و يتفَرع بدَاخلهم .
إلى أينَ سيؤوُل الأمـر ؟!

.
.
.
هذَا بَارت مُعدَل كـليًا يعني و من هذا البارت كل البارتات الجاية حتكون فلاش باك قبل 5 سنين تمم

هِـيدرَانجـيَا : القَلب المُخلِص HYDRANGEAحيث تعيش القصص. اكتشف الآن