هِيدرانجيَا : مَشهد 11 || حَدٌّ مُحرم

89 4 5
                                    

عَـلى إِيقاعِ الألمِ تتخبَطُ نَوتاتُ الرّوح .
______________________________________

تُركـيا : اسطَنـبول || الثَـالثةَ عصرًا بِتوقيتِ انتِهاك

منذُ مَا يقارِب السَّاعتين ، و جَسدها مَلقِي بإهمال عَلى سَريرٍ لم تَملك حَتى ثانيةً لتحدِق به أو بِما يحيطُ به ، مُذ أن وضعَتها سيدرَا أمام بابٓ الغرفة ، رَمت بِجثمانها فِي هاويَة التفكِير عاجِزةً عَن الخُروج منها و لَو لثانِية ...و ما يُسمع فقط صوتُ أنفاسها .
خصلات شَعرهَا البُنِيّ تنَاثرت ، بعضٌ يخفِي ملامحَ وجهِها التائهَة ، و البعـض الآخر غَطّى مِساحةً معتبَرة من السَرير حولها.
أخَذت نفسًا عميقا و كأنهَا تزِيح به كَمّ الهُموم من عَلى منكِبيها ، هَمّ لُقيَاه ...هَمُ التعمـق فِي كُحليتَيه الفَارغة التِي فَلتت مِن بَين كَفيها سِنينَ مَضت .
استقَامت من مَضجعها تَنزع الكَعب بِفوضَوية ملقية إياه بِزاوية الغُرفة ..مُتبعَةً إياهُ بِمَا يعلُو فستانَها الأسوَد ...
مَررت أصابِع يدَيها مراتٍ عدةَ على شَعرها تَجعله فوضَويًا كَحالتِها في تـلك اللحظة تمَاما ، ثُم مَررت بأنظارها حَول الغرفة تتَحقق من تَصميمها و قَد كَانت بِلونَين ..الاحمر و الأسود ...تتساءَل ما خَطب سيدرا مَع هَذين اللَّونين بالتَحديد ... تأفَفت بمَلل تخطو خَارج تلك الغـرفة تتَفقد بَاقي المنزل ابتداءًا من غرفةِ صاحِبتها الدَاكنة و لا ثقبَ لِيمر منه ضَوء النهار ، المَطبخُ ثمَ مَا يُشبه غرفَة أفلام أم ألعاب ، لَم تستوعِب المَغزى من تلـك الغرفَة بعد !
قد أكمَلت من التَطفل على الطَابق الأرضِي للمنزل و ما فِيه من غرفٍ و حَان دور الطَابقِ العلوِي ... بهَذا قَد جَرّت نفـسها على تِلك السلالم بِخمولٍ بادٍ عليها و أول ما قاَبلها فِي الطَابق ذاك غرفَتانِ و فَقط ، وَاحدة بِبابٍ أسوَد و أخرَى بابُها أبيَض .
أمَالت زَينب رأسها تحاوِل و مرةً أخرى أن تفهم مَعنى مَا وراء المعنَى الظاهـر .. أن تكون عَلى يقين بالسَبب الحَقيقي للفَرق الواضح بَين البَابين .
تَقدمت زينب من الباب الأسود محاولَة فتحـه لَكن المقبَض أبَى أن يتحَرك حتى ، مَع انتِباهِها أخيرًا بالقفـل الالكتروني فِيه الذي يتَطلب بصمةَ اصبعٍ ... تَجاهلت الغَرابة المنتَشرة بالجو و التَفتت لتفتَح الباب الأبيض و رُبما لِحسن حظها قد فُتح البَاب لِتَـطل من ورائِه الغـرفة الشَاسعة نَاصعة البياضِ و الذِي أذى أعين زينب التي مدَت يدهَا بِدرامية بَحتة كَي تُغطي أعينها ... الشَيء الذي لَوثَ بياضَ الغرفـة كَان ٱلةُ تشِيلو بِلونٍ أسودَ مُتَكئة عَلى بـيانُو ..و قد كَان أسود هو الآخر .
بيتُ سيدرا يجمع بَين كل النَقائض ، هذا ما فكرت فيه زينب بِعقدةٍ بين حَاجبيها المتعانقَين بِدقةٍ ...و بَدت في تلك اللحظة كَأنمـا هي أفروديت العـصر ..لكن نِركسوس خائن ... كأنمَا هي ليلَى العصر ... لكن قيس غادِر .
تحَركت نَحو ذلك البيَانو الذِي يَستدعيها لِتعبَث بأنامِلها عَلى مفاتِيحه ، شَيءٌ بداخِلها أرغمَها على بَسط يدِها الرهِيفة عَلى سطحِه تتلَمسه قـبل فتحِه ... مَررت كفها عَليه لِتلاحظ أن لَا ذرة غـبار تقبع عَليه و ذَاك دَليل على أن مَالكَته تَهتم بـه ...
لَم تخبِرها أنها تعزَف ولَا حتى تَهتم بالفـنون المختَلفة و كـل سؤالٍ عن ذاكَ تَقلبه سيدرا لِعبثٍ و سخرِية خالصة كأنَما تـقلب المأسَاة كومِيديا .
جَلـست على الاريكَة المُخصصة للعازف أمامه ، تَفتحُ الغِطاء الفاصِل بين أصابعها المُشتاقة و المفاتِيح المهتَاجة لِتبعثَ بِألحانها تُغير بِها الأجواء و تَقلب المَشاعر ، أخذت من الوقـت ما يـكفِيها لِتقرِر أيَّ معزوفـة تُؤديهَا و أيّ أغنية ، لِتثبت في الأخـير عَلى أغنيةٍ فرنـسية عَتيقة ... تهيأت بِاخذ عدة أنفاسٍ تهدِئ بهم من نَبضاتها المتسارِعة ثمَ شبكَت أصابعها مع بعضِهم لِتسندهم آخرا على البيانو جاعلَةً من لحنٍ غيرِ منتظمٍ يخـرج كَاسِرًا الصمَت المحيط .
ابتدَأت عزفَها مُحاولةً استـرجاعَ براعَتها في العزفِ على تلك الآلة التِي تربطها زينَب بالحـب و المَأساة ، بالفَرح و الغـبط ..و هَذا لتنوعِ الالحانِ التي تُنشدها ... غَرقت في الالحانِ بأعينٍ مغلقة ، تَاركةً أناملها تُعبر عما يخالِجها ، عَانقت تـلك النوتات التِي تصاعَدت مُشكُلةً تراجيديَا .
بنبرةٍ تحمل من الهـدوء ما يكفِي ، ابتَدأت بِاسترجاعِ كلماتِ الاغنيةِ بلسانٍ فرنسِي فصيحٍ ، غافلةً عن الظلِ الواقف عِند باب الغرفة !
Ah minuit est là
Ah je ne dors pas
Et puis passé minuit je danse
Au rythme des tachycardies
Et tout s'emballe et tout balance
Et tout m'étale et tout me fuit
La lune est un fruit un peu rance
La vie est une maladie
Ceux qui rêvent ont bien de la chance
Et les autres ont des insomnies
Ceux qui rêvent ont bien de la chance
Et les autres ont des insomnies
Ceux qui rêvent ont bien de la chance
Quant à moi j'ai des insomnies
Ah minuit est là
Ah je ne dors pas

هِـيدرَانجـيَا : القَلب المُخلِص HYDRANGEAWhere stories live. Discover now