I

304 14 0
                                    

أستغفرالله


ككل ليلة.. أقف هنا سارحًا في الفراغ، أشعر أني هادئ أكثر كل حين، الأمر يبدو وكأنني مكبل بأصفاد غير مرئية، لا أعلم ما هيتها ولا أستطيع رؤيتها، وبصمتٍ أقابلها، وهي تجرني وتشتد وأنا أهدأ أكثر وأكثر مع كل حركة تقوم بها.

ومع كل هذا، أهرب.. منكسرًا مطأطئًا رأسي

أهرب بصرف ناظري عما يحدث لي دون حراك، أنظر للأعلى.. للسماء.. للنجوم!

كثيرًا ما كنت أتأمل تلك المصابيح، كيف تلمع بطريقة مذهلة، وكيف تجتمع ليطلق عليها اسم ما وتكون عائلة صغيرة بعد ذلك، ذلك الشعور في صدري حين استلقي وأنظر لها كم هو رائع!

"بُني! انزل من السطح؛ العشاء!"
وهاقد نادتني نجمتي الخاصة.

نظرت لهاتفي لأجد أنها الساعة الثامنة واثنتا عشرة دقيقة، ويبدو أنني بقيت ربع ساعةٍ تقريبًا منذ استلقائي هنا..

تنهدت بروتينية لأثب بعدها مهرولًا نحو باب السطح وأغلقه خلفي.
مع كل درجةٍ أنزلها كان يعلو صوت راديو جدتي الذي لا يتوقف عن الثرثرة إلا نادرًا، وحقيقةً لا أكره هذا؛ فهو يشعرني أن هناك حركةً في المنزل.

انعكس مسار الصوت وبدأ بالانخفاض تزامنًا مع يد جدتي التي تدير متحكم الصوت الخاص به، جلست مقابلًا طاولة الطعام الأرضية والتي ضمت صنفًا واحدًا وطبقين لي أنا وجدتي التي جلست واخذت تضع في صحني الكثير من الأرز كعادتها

"لا تنظر إلي هكذا، يجب عليك الأكل جيدًا فأنت تحتاج الكثير من الطاقة للغد."
قالت مبتسمةً بعد ملاحظتها نظراتي الغير راضية عن تلك الكمية، لم أعارض هذه المرة وتناولت الصحن بيد والملعقة بيدي الأخرى، بدأت أتناوله وأهمهم كل حين على حديث جدتي المتمحور حول المواضيع التي يبثها الراديو وأخرى حول ارتفاع أسعار السوق وبعض المعاتبة لي أيضًا.

لم يتوقف حديثها حتى مع انتهائنا من العشاء وبدئنا بتنظيف المطبخ ومع ذلك لم أمل منه، فأنا لا أجبر على الرد عليها وهي لا تنتظر هذا مني بل تكمل متفهمةً حبي للاستماع أكثر، صوت جدتي كان يتسم بالهدوء كملامح وجهها التي لطالما أحببتها، محاولاتها لأبهاجي حتى وإن كنت في مزاجٍ جيد كانت تفرحني كثيرًا، حبها لي والذي لا تتعمد إظهاره، بل كان واضحًا منذ كنت طفلًا، كم أحببت جدتي وكم أحبها.

صمتت هي فجأة عندما ضممتها لتقهقه مربتةً على رأسي
"حسنًا لا تخف، الثانوية الجديدة ليست مرعبة لهذا الحد."
ابتسمت على مزاحها ذاك
"من الخائف هنا؟ هناك أحدٌ كان يبحلق بي بكثرة الأيام الماضية."

نظرت بذهول في اللحظة الأولى لكنها رفعت كتفيها لاحقًا مستلمة
"هذه الجدات بني، القلق لدينا مرتفع النسبة."
عاتبتها مجففًا الصحون التي انتهت من غسلها
"جدتي، إنها مجرد مدرسة جديدة، لمَّ كل هذا؟"

صمتت وكثيرًا فعلت هذه المرة حتى حولت ناظراي عليها متوقفًا عما كنت أفعله، وبنظرةٍ لم أحب وجودها على وجهها قالت:
"هل ستكون بخير؟"

لم أظهر ملامح استغراب لكني كنت ممتلئ به، ولمَّ لا أكون بخير؟ أعتقد أن الكثير من التفكير يؤدي إلى الخوف من اللاشيء وتخيل أمور عدة

قبلت رأسها ثم قلت مع ابتسامة
"سأكون، والآن تصبحين على خير."

يتبع

بِلا نورWhere stories live. Discover now