IV

79 4 0
                                    

الحمدلله

النظر للنجوم.. ليست موهبة حقًا، لكنني أستمتع بذلك، أهرب للسطح وأنظر بصمت.. بصمتٍ دون أي حديث، فقط بعض ضجيج القطط في الشارع، همساتي لنفسي بين حينٍ لحين.

هذه المرة كان شعور الاستمتاع ممتزجًا مع شعور آخر.. شعور لا وجود له، هو فقط موجود لكي يقول أنه لا يوجد شيء.. الفراغ.

منذ فترة تآكلت أشياء عدة فيَّ، وأنا لم أتحرك إنشًا واحدًا للدفاع، لم أفعل شيئًا سوى الاستسلام، السماح لأشيائي بالاحتراق، أنا الضعيف الهارب للنجوم، وتخيل أن لا شيء يحدث، الكابت لمشاعره، لفرحه، لحزنه.. لكله!

أحكم الاصفاد على ذاتي وأهمس: تجاهل، تجاهل..
كنت سأستمع لضعفي.. ربما لخوفي، وأتجاهل، لكن لوهلة سألت نفسي:
إلى متى؟

إلى متى سأبقى ساكنًا هكذا، متى سأبدأ في السير.. في الرد على الأقل، دائمًا صامت، لا مبالي، هارب!
أعتقد.. أعتقد بأنني جبان، لمَّ إذًا أنا هكذا؟ منذ متى كنت مليئًا بالطاقة؟ لا أتذكر شيئًا عن جمال ذاتي، كل شيء في عقلي رمادي.. بهت، بهت، بهت!

ذكرياتي مجرد رماد متطاير، مهما حاولت لمسها طارت بعيدًا عني، كم أتمنى لو أنها سراب لكي أرى بعضها حتى إن كانت بعيدة المنال.

أهرب من نفسي ونفسي تهرب مني، لا أحد يواجه الآخر.. مجرد طفل جبان تخيفه حتى بعض الهمسات، كم وددت صفع نفسي الآن!

ولكن لحظة واحدة.. لا شيء يمنعني!

حينها تردد صوت الصفعة داخل أذناي مرارًا، منافيًا للغضب الذي انجلى، كل غضبي وشجاري الذاتي قد اختفى مع تلك الصفعة التي جعلت وجهي يلتف للجهه الآخرى.

ابتسمت.. وكم شعرت بالاسترخاء تلك اللحظة.

-

في ضُحى يومٍ مدرسي، من بين الطلاب المنتشرين في الأنحاء، وصراخ بعض الفتيان في فترة الاستراحة، أثناء تنقل عيناي بسرحان ومضغي لقطعة الخبز الطرية، أعتقد أنني وجدت بصيص الأمل، لكل تلك المشاعر المبهمة التي أشعر بها، مقارنًا نفسي بالأشخاص حولي، شعرت أنني أمسكت بطرف الخيط، متذكرًا حالي البارحة، وكم كنت ضعيفًا مثيرًا للشفقة، وكم كرهت نفسي في تلك الحالة التي لازمتني، أود الخروج منها، والحل يبدو..
أن أواجهها.

لم يرأف لي جفنٌ بعد سرحاني ذاك حتى سحبني صوت الجرس من حواري الذاتي يخبرني أن الإستراحة انتهت، لملمت حاجياتي وسرت بروية نحو المبنى، شعرت بألمٍ في كتفي نتيجة اصتدام احدهم بي، رفعت نظري للشخص الذي كان فارق الطول واضحًا بيني وبينه والذي هم بالاعتذار سريعًا، لكنه توقف فجأة يبحلق في وجهي، التفت صديقه بعد توقفه عن السير ليهتف للأبلة أمامي:
"غَيث! هيا سنتأخر عن الدرس!"

بِلا نورWhere stories live. Discover now