X

29 1 3
                                    


لا إله إلا الله



"هيا رافقه إلى الباب!"
همست جدتي بحدة وهي تدفعني بعد رفضي المتكرر، ذهبت وأنا أتمنى الاختفاء أثناء سيري ناحية نسيم الذي كان جالسًا على الأرض يردتي حذاءه، وقفت بجانبه أنظر للباب مليًا وكأنني أنتظر من هذا الجماد أن يتحدث، شجعني عقلي كثيرًا لكي أقول شيئًا يكسر هذا الصمت، رطبت حلقي ثم قلت بكل جفاء:
"شكرًا لمجيئك."
لم يتوقف عن ربط خيوط حذاءه عندما رفع طرف عينيه لي، وكأنما يتأكد إن كنت أنا القائل.
لأقول:
"تبًا لك، ليس وكأنما تلبيتكَ لطلبي شيء طبيعي كذلك."
اعتدل واقفًا أخيرًا ومتجهًا بجسده لي
"لا تظن أنك لن ترد الجميل، أكتوس."
عقدت حاجباي أنظر لظهره الذي واجهني وهو يضع قلنسوتهُ على رأسه يريد الخروج.
"حقًا! ما أكتوس هذا؟"
توقف لوهلةٍ ثم نظر لي من وراء القلنسوة، واضعًا ابتسامةً غريبة، باهتة..
"أنت حقًا لا تعلم."
وخرج، خرج كأنما كان يتوقع مني ردًا غير هذا، ليتركني أزداد حيرة.

-

٩:٠٤م

أقفلت هاتفي ورميته على السرير، نهضت ذاهبًا لجدتي التي تشاهد التلفاز وتحتسي كأسًا من الشاي قليل السكر، تمددت أضع رأسي على قدمها لتبدأ هي بتمسيد شعري دون رفع نظرها عن التلفاز، صمتنا طويلًا، لم نكن نحتاج للحديث، نحن مستمتعون هكذا، حتى ضرب عقلي تساؤل أدى لحديثي:
"جدتي، من كانوا أصدقائي عندما كنت طفلًا."
لم تجب علي لمدة، لكنها قالت أخيرًا:
"لا أتذكر بني."
حقًا.. إذًا:
"كيف توفي والداي؟"

أدارت رأسي لتجعل عيني تقابلان أعينها
"لماذا تسأل فجأة؟"
اعتدلت جالسًا أضع يدي خلف عنقي، لا أعلم لما ينتابني تأنيب ضميرٍ الآن.
"لا شيء، فقط هكذا."

نظرت مليًا لي ثم عضت شفتاها لتتنهد
"بهاء."
رفعت ناظراي
"لم أكن أريد الحديث عن هذا لأنني خائفة من أن تحزن، لكن.."
نظرت لها مليًا، بتلهف، بحماسٍ مختلطٍ بخوف
"عندما كنت صغيرًا.. تقريبًا في في العاشرة من عمرك، كنت أنت ووالداك معًا في السيارة، عندما انفجر أحد إطاراتها لتنحرف عن المسار الصحيح وتبدأ بالانقلاب.."
أخذت نفسًا عميقًا وأكملت دون أن تنظر لي
"لقد تحطم الزجاج وخرجت أنت من النافذة حين انقلابكم عدة مرات، و.."
لا، لا أريد أن تخفي عني شيئًا
"أكملي.. أرجوكِ."
مررت أناملها على عينيها تمسح دموعها التي انزلقت رغمًا عنها، أكملت وقد كان صوتها يرتجف كثيرًا لدرجة جعلتني أندم على سؤالي عن كل هذا.
"لقد كانت السيارة تحترق، احترقت حتى أصبح كل شيء رمادًا."
رفعت رأسها أخيرًا وقد رمت بجملتها كأنما قد طفح كيلها من الكتمان
"بهاء! رأسك قد أصيب، لقد تضررت ذاكرتك ونسيت كل شيء، لم أرد إخبارك عن هذا، لم أرد أن تحمل همًا  ثقيًلا كما أحمله أنا!"
وضعت يدها على جانب وجهي لتهمس من بين دموعها:
"لا أريد لحزنٍ أن يمسك."

بِلا نورWhere stories live. Discover now