الفصل 8.5: صوتك

57 8 56
                                    

وسط ظلام سرمدي، تعالت شهقات آيدن الذي لم يعد بوسعه كتم عبراته بعد كل ما شهده اليوم.

خصلات شعره الذهبية كانت تنساب على وجهه الرقيق، بينما استمرت الدموع بالتهاطل من عينيه الباهتتين. كان يضم كتاب قصص متهالك بين ذراعيه الصغيرتين محاولا استرجاع أنفاسه المتقطعة من فرط البكاء على عزيز لن يعود.

"ماما..." كان كل ما تحركت به شفتاه حينما لمح الباب يفتح أمامه، لكن من جثم أمامه لم تكن أمه، بل لم تكن امرأة بالأساس، بل رجلا طويل القامة، شاحب البشرة نحيل المحيا، كان شعره الأسود مسرحا لأعلى، وعلى رأسه تموضع تاج أسود معتم به قرنان أعوجان، وقد اكتسى ثيابا أقل ما يقال عنها أنها ملكية، معتمة السواد هي الأخرى.

تقدم خادمان إلى الغرفة مطأطئين رأسيهما، وانحنيا أمام الطفل الباكي مقدمين بين يديه صينية مليئة بما لذ وطاب، وكأنما أعدت لأمير أو وزير ما، لكن الطفل اتخذ وضعية دفاعية حالما دنا منه الخدم، وانحسر إلى الخلف أكثر فأكثر.

"كل." قال الملك، رفع الطفل عينيه الزبرجديتين حانقا، ثم تحركت شفتاه.

"لن آكل! أعد إلي ماما!" وحالما أنهى كلامه بصرخة، انهمرت دموعه سيلا لا ينضب.

"هوه~" ابتسم سارغوث بمكر متأملا عيني الطفل الملتهبتين حقدا بينما حك ذقنه مفكرا.

دنا منه قليلا، ثم جلس على ركبة وساق مقلصا البعد بينه وبين الصبي.

"ماما لن تعود، آليكسيس مايير.. وأنت إن لم تأكل فسوف.. سوف تلحق بها غالبا" ارتفعت ضحكة صغيرة.

ازداد انكماش آيدن حول نفسه، وازداد معه تمسكه بكتاب مهترئ كان يحمله طوال وقت المطاردة اللعينة تلك، وقد تفطن الملك لذلك وارتسم بعض الفضول على ملامحه الباردة.

"لم تفلت هذا الكتاب طوال المطاردة...عم يتحدث يا ترى؟" مد يده محاولا ملامسته، إلا أن آيدن تفاداه قافزا إلى الخلف.

"مـ...ماذا عن...بابا..؟ سيأتي؟" سأله الطفل.

انقبضت ملامح الملك للحظة قبل أن يطلق قهقهة ظلت ترتفع ليرتد صداها على أرجاء تلك الغرفة الباردة.

"قلت بابا؟" انكسرت ملامح سارغوث بابتسامة مجنونة غطاها بيديه الخشنتين، وتسللت من بين فراغات أصابعه نظرات ثاقبة كانت كفيلة بذب الرهبة بأواصر آيدن.

"أتمنى أن يقع بين يدي هاتين.. ذلك الرجل."

توسعت حدقتا آيدن، وقد ارتسم عليهما بعض الأمل الباهت.

'بابا على قيد الحياة؟' قال الفتى بقرارة نفسه.

تأمل الطعام المقدم أمامه، فالخدم، فالملك، فالطعام من جديد. ربما إن...إن أكل قليلا...سيكون كل شيء على ما يرام؟

"هيا كل، هنالك الكثير مما ستتعلمه كولي العهد لمملكة 'مو'.. وكتابع للمعبد الرئيسي كذلك." وقف الملك وقد عاد إلى بروده، ثم التفت للحظة متأملا الكتاب بين أحضان آيدن ببعض الانزعاج.

AxeliA - Book of Wind -Where stories live. Discover now