الفصل الثامن

868 84 5
                                    


انقضى نصف النهار لينهض أحمد من مكانه، توجه ناحية مكتبها ليرى ما وصلت إليه هذه البلهاء التي تقبع بالداخل، فتح الباب مرة واحدة ليقف بدهشة وهو يراها تغفو على سطح المكتب إلى جوار الملفات، بعد أن نال منها التعب .

تقدم بهدوء ناحيتها ثم قام بضرب سطح المكتب بقوة لتهب واقفة بفزع وهي تقول :- في إيه ؟ مين مات ؟

أخذت ثواني لتستوعب أين هي، وما إن وجدت أحمد قبالتها هتفت بتوبيخ :- أنت إزاي يا بني آدم تدخل مكتبي بالطريقة الهمجية دي ؟

جز على أسنانه بعنف من طولة لسانها وردد بحدة :- لو اتكرر الموقف دة تاني مش هيحصل كويس، لو جاية علشان تنامي خليكي في بيتكم أحسن.

أردفت بغل :- أنت مالكش سلطة عليا .

أردف بابتسامة باردة جعلتها تستشيط غضبًا بداخلها :- والله أنا ليا سلطة أخليكي تطلعي من الشركة دي ومتعتبيهاش تاني، إلا إذا كنتي جاية تزوري باباكي، تحبي تجربي ؟

لم ترد عليه وإنما ظلت ترمقه بعدائية واضحة، وما كان أمامها سوى أن تصمت كي لا يذهب ويخبر والدها بأنها تعارضه وحينئذ ستجد مالا يحمد عقباه، وهي لا تود ذلك بل تريد أن تثبت لأبيها إنها على قدر المسؤولية وليست كما يظن .

توجهت ناحية المكتب بغيظ وجلست عليه ومسكت إحدى الملفات تراجعها وهي تكبح زمام كمدها، حتى لا تقوم وتتخلص منه كي تنزع هذه البسمة السمجة من على وجهه .

أخذ يراقبها بتسلية ليقول :- أيوة كدة اعقلي وشوفي مصلحتك .

أعطاها ظهره ليغادر لتمسك الملف استعدادا لتلقيه عليه، ليلتف إليها مرة واحدة فتقوم بوضع التهوية بالملف وكأن الحرارة قد انتشرت بالغرفة، لم يتحدث وإنما غادر بهدوء لتعض يدها بغيظ وهي تقول :- والله تستاهل اللي حصلك، قال وأنا كنت خايفة عليك جاتك داهية .

**********************************

بعد مرور يومين تعمل ندى بمكتبها براحة كبيرة على غير العادة، فمنذ أن أخبرته بذلك وهي لم ترى من أكرم أي تصرف يضايقها، وكل ذلك يرجع للقنبلة التي ألقتها بوجهه، ابتسمت بخفوت وهي تتذكر وجهه المصدوم حينما تلقى الخبر، ولكن لم يدوم ذلك طويلًا إذ انتفضت بشدة حينما داهم فريد مكتبها وفتح بابه بعنف حتى اصطدم بالجدار محدثًا ضجيحًا صاخبًا، وقفت بهلع تراقب هيئته التي لا تبشر بالخير من الأساس، احتدام عارم احتل ملامح وجهه الذي يشع نيران الكره، يا إلهي ماذا فعلت ليتحول إلى هذا الوحش الضاري ؟ هكذا تساءلت ندى في قرارة نفسها، تقدم منها لتتراجع للخلف وكادت أن تسقط، لولا يده التي جذبتها من ذراعها بقوة وتحرك بها للخارج بسرعة، تحت أنظار الجميع المندهشة وسرعان ما انتشر الهمس والغمز بين بقية أفراد العمل، لينتشر الخبر كما تنتشر النيران في كومة قش.

أخذت تحاول الفكاك من قبضته الفولاذية، ولكن كيف لها أن تتخلص من هذا الجدار الصلد ؟ يا لها من معضلة حقًا!
دب الرعب بأوصالها خشية أن يزج بها إلى السجن ثانية، أو يفعل أي شيء يضرها أو يضر والدها .
تراكمت عليها الأفكار وازدحمت بعقلها حتى صارت كالطريق المكتظة لا تدري إلى أي نقطة تهتدي .

المتاهة Where stories live. Discover now