18

7.3K 358 44
                                    



جلست على سرير عناد تناظر الفراغ بصمت
تسمع همس الجدة حصة اللي واقفة عند الباب وتمدّ لعناد من أعشابها وعلبة العسل
حصة: امسحه على يدها ويدك، وعلمني اذا احتجتوا شيء
هز راسه عناد وتقدم يبوس راسها يطمّنها: ارتاحي يمه
حصة ناظرته بتنهيده والتفتت تطلع بعد ما سرقت نظرة لوتين اللي ما زالت على وضعها
ما نطقت بكلمة ولا ارتعش لها جفن، ما زالت تكبح رغبتها بالانهيار وتكتم نار جوفها كعادتها، تخفي احتراقها خلف ملامح الجمود والبرود، وتشم ريحة الحريق والرماد تفوح منها
قفل عناد الباب ومشى باتجاهها وجلس قدامها يناظرها
وهمس: وتين
وتين ناظرته، و مدّ يده يتلمّس خدها: لا تسكتين و تروّعيني
انقبض قلب عناد يسمع اللّارد منها ويشوف انطفاء لمعة عيونها
ومسك وجهها بين يدينه: لا تسكتين! اعصفي واكسري واحرقي، حلّفيني يمين إني لأذوّق شداد المرّ، وبحلف لك يمين إنك بوجهي من كل قهر وكل نار تاكل جوفك، علميني.. 
مسح عناد على خدّها يحط عينه بعيونها: علميني وش أسوي؟ حطّيني وسط نارك والله ما اشتكيها، بس لا تسكتين
وتين سكتت تناظره ثواني ونطقت: خذني لبيته، بيت شدّاد
فزّ عناد ومدّ يده لها: قومي!
مسكت يده تلاحظ احمرارها وكأنه يعكس الاحمرار اللي بذراعها
وقامت تلبس عبايتها والتفتت لعناد اللي مسك يدها ومشى يطلع من الغرفة
فزّت حصة من شافتهم: وش فيكم؟
عناد نطق يطمنها: مافينا إلا العافية ارتاحي، بس بنمشي للخُبر
وتين ناظرت حولها، ونطقت غالية تفهم نظراتها: حنين نامت عند هاجر وتهاني، روحوا الله يحفظكم
حصة مسكت قلبها تناظر حال وتين اللي مشت مع عناد بهدوء
ركبت السيارة وركب بجنبها يشغّل السياره بصمت
وتين ناظرته: بمرّ على المستودع أول
هز راسه عناد يمشي باتجاه المزرعة اللي طغى عليها الظلام والهدوء
نزل عناد ونزلت وتين تمشي بجنبه، يوازي خطواتها ويمشون مع بعض باتزان للمكان اللي إلتهمته النيران قدام عيونهم
عناد شغّل نور جواله ينوّر طريقهم ومشت وتين تدخل المستودع
لمّت الحطام بيدينها وتقدّم عناد يلمّه معها بدون أي اسئلة
يجاريها ويحسّسها بتواجده معها بكل خطوة، مشى وشال عنها الصندوق اللي امتلأ بالحطام والرماد وبقايا القماش المحترق
ونطقت وتين: بناخذه معنا لبيت شدّاد.

مشت تحوم في صالة البيت تناظر جوالها كل ثانيه
عضت شفايفها بتوتر تنتظر أي خبر من شدّاد اللي طلع ينفذ خطّتهم وما رجع
وصلها صوت الباب تشوفه يدخل بابتسامه
فريدة تقدمت: وش صار!
شدّاد مشى يجلس براحه، ونطقت فريده: لا تجنّني علمني حرقت المستودع؟
شدّاد ناظرها: انتِ علميني بتبيع وتين عبايات بعد اليوم؟
ضحكت فريدة وجلست بتنهيده: و ليش تأخرت!
شدّاد: مرّيت مصنع الخشب على طريقي خلصت بعض الأشغال
التفتوا لصوت الجرس وقام شدّاد باستغراب وطلع: مين؟
ناظرت وتين عناد اللي واقف جنبها وناظرها بدون ردّ
التفتوا لصوت الباب اللي انفتح وطلع شدّاد وتراجع من نثرت وتين الرماد وبقايا الحريق عليه واختل توازنه يتراجع ويطيح على الأرض
وتين دخلت بخطواتها تناظر شدّاد اللي يشوف الرماد حوله
و صرخ بعصبية: وش قاعده تسوين!
وتين مشت تنثر باقي الحطام على أرض بيت شدّاد
تحت نظرات عناد اللي تسنّد على الجدار وتكتّف يناظرها
مدّ عناد رجله يطيّح شدّاد اللي حاول يقوم من الأرض: اقعد، خلها تشوف شغلها
التفتوا لصوت فريدة اللي لفت حجابها وطلعت: شدّاد!
وتين ناظرتها وتركت الصندوق بعد ما نثرت اللي داخله
ونطقت فريدة بصدمة: وش جابك!
نفضت يدها وتين: جابتني النار اللي ولّعتوها، وجبت معي رمادها قلت شكلكم نسيتوها
عناد ناظر شدّاد: لازم تلسع عشان ما ينسونها يا بنت سلطان
وتين ناظرته تفهم مقصده، ودخّل يده بجيبه يطلّع ولاعته
ومدّها لوتين: جربي
فريده وسعت عيونها بصدمه، وفزّ شدّاد يحاول يقوم و رفسه عناد يطيّحه مره ثانيه
مشت وتين يصدح صوت خطواتها على الأرض تحس بحرارتها وكأنها تمشي على لهب
تسنّد عناد يشوفها تضغط على الولاعه وتراجع شدّاد يناظر شعلة النار بذهول
ونطقت فريدة: وتين اتركي الولاعة!
وتين تقدمت ترفعها بوجه فريدة وتراجعت فريدة تبتعد عنها
والتفتت لشدّاد وما زالت الولاعة تشتعل بيدها: حرقت المستودع
نفى شدّاد ينكر كلامها وقاطعته وتين: ما اسألك، انت حرقته عشان تكسر ذراعي
راقبتها فريدة تشوفها تتعدّى شدّاد ومشت تنزل لمستوى الأقمشة والحطام اللي نثرتها على أرضية المدخل
وقرّبت الولاعة لها تشعلها: ولّعت في المستودع لأنك تدري إنه مكان رزقي
تراجع شداد من اشتعلت الأقمشة وركضت فريدة تدوّر شيء تطفّي به النار
وابتسمت وتين بخفوت: بس قلت لك يا شدّاد، اقطع يدي قبل تكسرها لي
ابتسم عناد يتأملها والتفت من قام شدّاد يحاول مهاجمتها
ومسكه عناد يثبّته من ياقته على الجدار: قلت لك اقعد!
تقدمت فريده تسكب المويه على النار والتفتت لوتين بعصبيه: اطلعي برا ولا كلمت الشرطة
وتين ناظرتها باستهزاء، والتفتت تختم كلامها لشدّاد: ولا تفرح كثير، قطعة القماش اللي ولّعت فيها النار تطفّيها قطعة قماش ثانيه
التفتت لعناد: مشينا عناد
مشت وتين تطلع من المكان، وتقدّم عناد لشدّاد يعدم المسافة
وهمس يزيد على كلمات وتين: بس نار القلب تدري وش يطفّيها؟ نار ثانيه
ناظره شداد بدون ردّ، ونطق عناد يهمس: تونا في البداية يا شدّاد
شدّاد صرّ على أسنانه بغضب: اطلع برا!
طلع عناد وقفل شدّاد الباب بقوه ومسكت فريده قلبها: ما اصدق اللي شفته! البنت هذي مو صاحيه لا هي ولا زوجها
شدّاد سكت يناظر بقايا الحريق اللي على الأرض بعصبيه
تفشل كل محاولاته في إنه يكسر وتين، كانت ترجع له أقوى بكل مره وتوقف بوجهه بتحدّي وعناد، كانت تشابه أمها جميلة وتذكّره بها وبقوتها، وتواجد عناد جنبها يشابه تواجد عايشة بجنب جميلة اللي عاشوا حياتهم وهم يبغضون شدّاد ويعادونه ويتعاونون مع بعضهم ضدّه.

غريب يدوّر في طرف عينها حضن ووطن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن