20

6.9K 389 43
                                    



في نفس الوقت عند تميم اللي رفع نظراته لمشاري يشوفه يحاول يشغل نفسه بأوراقه
ونطق تميم: مين اللي تضاربت معه؟
مشاري ناظره: عشان تروح تضربه؟ ماني معلمك
سكت تميم ثواني ونطق: ما قصدت أضربك، أعماني الغضب يوم شفت صورة وجد معك وقلت لي إنك تحبها
أبعد مشاري نظراته عن تميم بدون رد، وكمل تميم: وجد دايم تردّد لي "انت ومشاري واحد" تشوفك مثل ما تشوفني وتحبك مثل ما تحبني
هز راسه مشاري: أدري
تميم بتنهيده: وجد ما تخاف من شيء من صغرها وهي تحب بصوت عالي، تبيّن حبها لكل شيء تحبه بدون خوف
بلع مشاري ريقه يفهم كلامه، وناظره تميم: و هي لو تحبك كان قالت إنها تحبك
وقف تميم من مكانه ينهي كلامه: بس وجد تشوفك مثل أخوها، لو استمر وضعك كذا بتخسرها، وتخسرني
انقبض قلب مشاري يشوف تميم يصد ومشى يطلع من المكتب بهدوء، وسنّد راسه وغمض عيونه بتنهيده

قرأت المكتوب عليه واللي كان "خاص لوتين"
عقدت حاجبها ودخلت تفتح الظرف بفضول وجلست تناظر محتواه
وارتعش قلبها من شافت الصورة واللي كانت صورة قبر يغطّيه التراب
وانتبهت للكلام المكتوب خلف الصورة واللي كان
"مكان أمك اللي دوّرتي عليه كثير، دعواتك لها بالرحمة"
وارتجفت يدينها تشد على الصورة بقوه ووصلها صوت الباب
ودخل عناد اللي نطق: تأخرت عليك؟ طلبت لنا عشاء و..
سكت من انتبه للظرف بيدها وتقدم يشوفها تناظر الفراغ بجمود
جلس جنبها باستغراب: وتين؟
رفعت نظراتها له وانقبض قلبه يلمح الانطفاء في عيونها
يدوّر لمعة العسل اللي يحبها، لكنه ما يشوف غير احمرارها
أخذ الظرف من يدها يناظر محتواه ووسع عيونه بذهول
وتين نطقت: أمي ميته
ناظرها يسمع نبرة الأسى بصوتها لأول مره، يلاحظ ارتجاف رمشها
و كرّرت وتين: أمي ميته، أمي ميته طول هالوقت
ضربت وتين صدرها بتكرار تحس باختناق أنفاسها وثقل جوفها، عاشت حياتها تنتظر أمها و تتخيّلها، فكّرت في مُختلف الاحتمالات وتقبّلتها وكان احتمال موت أمها ضئيل لكنها تستبعده في كل مره تفكر فيه، تثق بإن أمها حيّه وراح تقابلها بحياتها، تعيش على قيد الأمل وتستمد قوتها من فكرة وجود أُم بحياتها ولو إنها وهم
وتين ضربت صدرها باختناق: قال لنا شدّاد إنها تركتنا وراحت ما دريت إنها ميته من الأساس
عناد تقدم يمسك يدينها يمنعها تضرب نفسها، يحس بارتجاف جسدها وبرودة يدينها رغم احتراق جوفها
عناد نطق: ناظريني
ناظرته ولانت ملامحه من انتبه لدموع عيونها العسلية
صورة قبر أمها كانت الشرارة اللي سبّبت انفجار رُكامها، كتمت داخلها واختنقت بدُخان جوفها ليالي طويلة ونزلت دموعها بعد ما منعت نزولها سنين، وانهارت قواها واستسلمت تبكي بصوت مسموع لعناد اللي سحبها يحضنها بكل قوته
ونطقت وتين بين دموعها: تخيلت لقاءنا كل ليلة، تخيلت ملمس يدينها وحضنها، تخيلت صوتها وملامحها وعشت عمري كله وأنا انتظرها
ابتعد عناد يمسك وجهها يناظر انهيارها بين يدينه
وكملت وتين ببكاء: ما صار اللي تخيلته، ما صار يا عناد طلعت ميته
نزّلت راسها تسنده على كتفه وبكت بعلوّ صوتها، تحس بإنكماش قلبها داخل جوفها، تلفظ آلامها على هيئة دموع حارقه وكأنها جمر اشتعل داخلها سنين طويلة
غمض عناد عيونه ورفع راسه يبلع عبرته، حاوطها بيدينه يحضنها ويسمع شهقاتها اللي أوجعته، اعتادها قوية ما تبيّن ضعفها لأحد كانت تبهره قوتها وتتناغم مع قوّته وعناده لكن منظر دموعها قدامه هدّ حيله ونهش جوفه، تفقده صوابه ويرتعش قلبه كل ما زاد بكاءها
ثواني و تراجع يلمّ وجهها بين كفوفه يناظر انسياب دموعها على خدّها وبلَل رموشها، مسح دمعها بأصابعه تضيع منه الحروف والكلمات ويهدّي انهيارها بلمساته، ذاق طعم الفقد وبكى جنب أمه بين النيران ويعرف مُرّ شعورها و حسرتها
التفت يناظر الظرف ونطق: مين أعطاك إياه؟
وتين مسحت وجهها تاخذ نفس: لقيته عند الباب
التفت لها عناد يناظرها ثواني، وتقدم يشوفها تناظره بخمول
مسك طرف فكّها و قرّب يبوس عينها وغمضت وتين تتحسّس حنانه و مواساته لها بطريقته، التفت يبوس عينها الثانية وابتعد مسافة قليلة يناظرها مغمضه عيونها يسيل منها بقايا دمعها
مسحه بإصبعه وهمس: حلفت يمين لأضيّق حياة اللي يضايقك
فتحت وتين عيونها تناظره بصمت، وكمل عناد: قلت لك بولّع في قلبه!
نزّلت وتين نظراتها ليدينها من حسّت فيه يحط الولّاعه وسطها ويشد عليها، ونطق: نولّع فيه مع بعض

غريب يدوّر في طرف عينها حضن ووطن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن