الفصلُ الأول 🦢 ليلةٌ ضبابِية

56 1 0
                                    


الأولُ من مارس
|المملكة المتحدة_العاصمة لندن|
الحادية عشر ليلًا

لندن أو كما يُشار إليها "مدينة الضباب"، ها هي الليلة تُحيط بِضبابِها حول رُوحٍ خائبةِ الأمل وتقوم بإرسالها إلى بارِئها.
يمكِنك سماع زخاتِ المطرِ التي تتراقص مع الرياحِ بنعومةٍ وعنفوانٍ في آنٍ واحدٍ، وصوت هاتفٍ لحوح لا يكف عن الرنين، ومحرك سيارة مسرعة، غاضبة، مشتعلة، لا شيء يستطيع إخماد نيرانها، لاشيء حتَّى ماء المطر وبرودة الجو.
يمكنكَ سماع صوت صراخٍ أُنثوي يصدح في المكان، والآن فقط الآن بعد أن حلت الكارثة تستطيع رؤية الصورة عن قرب.

شارعٌ بعيدٌ عن صخب المدينة الذي لا ينتهي، مُحاطٌ بأشجارٍ كثيفة على جانبيه حيث تعكس ميلانها عليه بِفعل ضوء القمر المراقب لكل الأحداث منذ البداية.

شارعٌ فارغ سوى من سيارتين، إحداهما تقف ساكنة، كأن على رأسِها الطير، بداخلها روحٌ ترتجف صدمةً وخوفًا، أما الأخرى فبات عاليها سافلها، انقلبت بعد أن انقلب عالم مالكها غضبًا على ألم، وكان بداخلها أنثى فاقدة للوعي، كان قد نثر زجاج السيارة المكسور شظايا منه على جسدها، مكللًا إياه بِلونٍ أحمر قانٍ، ورجل كانتَ قد ارتقت روحه إلى السماء بعد أن أُصيب بِجروحٍ عميقة في عنقه ورأسه.
لم يظنَّ يومًا أنَّ نهايته ستكون هٰكذا بعمرٍ صغير وحادثٍ مريع، لٰكن من منا يعلم كيف ستكون نهايته؟ كيف سيلقى حتفه؟ بالتأكيد لا أحد.
قد تكون لحظاتكَ الأخيرة هانئة، ومطمئنة وتموت في سلام، وقد تكون تعيسة، ومضطربة وتموت في قهر.
قد تموت مثل غيرك من البشر لنفس الأسباب، أو قد تدخل التاريخ بسبب غرابة موتك!!
لا أحد يعلم متى وكيف؟

*  *  *

فوضى، هذا هو وصفُ ما يحدث في هذه اللحظةِ، فوضى تليق بِوفاة كارل باسكوڤ، الابن البكر لـمالك واحدة من أفضل شركات المحاماة غابريل باسكوڤ، نتيجة انقلاب سيارته فوق سيارةِ رجلٍ، قام الآخر بتبليغ الشرطة عما حدث بِقلبٍ فزِع، وأنامل مرتجفة، وصوتٍ لا يكادُ يُسمع.

سُرعان مَا اتَّضَحت هُوِيَّتُهُ حتَّى انتشر الخبرُ انتشار النَّارِ في الهشِيم. هلْ هي مزحةٌ؟ هل يُمكِن أن يَكُون شخصًا آخر؟ كارل؟
أسئلةٌ تتأرجح في عقولِ الجميع.

ليلةٌ ضبابيةٌ بامتياز، حيث لا شيء واضح، ولا أحد يعلم ماذا حدث، لكن الوقت كفيلٌ بِإظهارِ الحقيقة، عاجلًا أم آجلًا سينقشعُ الضباب ويتلاشى شيئًا فشيء، وستبدأ الرؤية بالوضوح حتَّى لا يبقى منها شيئًا إلا وكُشِف وحينها سنرى الصورة كاملةً عن بُعد.

* * *

بعدَ أن تم تبليغ عائلة كارل بالخبر الصاعق، بقِي والِداهُ مَشْدُوهِين لِبعض الوقت، لا يقويان على الكلامِ، قبل أن يتوجه كلاهما إلى المشفى لِرؤية الجثة، لم تستطع والدته ماريندة تحمل رؤية ابنها دون عناقه واستغاثته بِصوتها المبلل بالوجعِ لِيفيق ويُبدِد هذا الكابوس؛ فأُغمِي عليها على الفور.
بينما والده فبقي واقفًا دون حراك، ينظُر إلى ابنه المستلقي على سرير في غُرفةٍ باردةٍ كالثلج، دموعٌ بقِيت عالقة في مقلتيه لم يستطِع كبحها، فتساقطت أرضًا بِجانبِ قلبه.

Themis | ثيميسWhere stories live. Discover now