الفصلُ السابع 🦢 توليب

17 1 0
                                    

إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ
فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغير
كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ

_ المُتنبي _

•••

مع تفاقم الأسئلة والاحتمالات شعر آرلو برأسه يدور، لقد كان يومًا مُستنزِفًا بالفعل. وها قد أسدل اللَّيلُ وشاحه الأسود في فضاء الكون وأمسى الهدوء حاجة مُلحة للنفس المُتخبطة، في طريق عودتهِ للبيت كان كلُّ ما يُريد فِعله هو الارتماء على سريره والالتجاء إلى النوم علَّهُ يجد في أحلامه ملاذًا يلوذ به، ويُدخل البهجة المَسروقة منه إلى وجدانه.

حال وصوله وَجد والدته بإنتظاره، رحبت بِه وعانقتهُ ليبادلها العناق الذي شعر بأنَّه يحتاجه وبِشدَّة، انسحب ليطبع قبلة على جبينها وخدها بينما يُظهر باقة الورد الأحمر التي ابتاعها خصيصًا لها ويقول بصوت مبحوح وتعِب:

- لو لم يكن هناك عمل اليوم لكُنت أخذتكِ في جولة حول المدينة وقضينا وقتًا مُمتعًا بدلًا من هٰذه الرتابة وهٰذا الملل المُهلك للروح.

ضحكت ضحكة مكتومة وهي تضعُ كفَّيها على وجهه، تبتسمُ له ابتسامةً صادقةً وتقول:

- هل كبر ابني الصغير وأصبح رجلًا يذهب للعمل ويعود للبيت في المساء؟

- أُمّي!!

صاح بانزعاج وتبرُّم، يزيح كفيها بينما تلتقطُ هي باقة الورود الجميلة مُستمعة لتذمره:

- أنا في الواقع لديّ عمل وأحبه، الفرق فقط أنَّه لا يُجبرني دائمًا على التصرف عكس ما أنا عليه. ومنذ متَّى لم أكن رجلًا والآن أصبحت كذٰلك؟

لم تُعجب برميه للكلام المُبطن وزجرته قائلة:

- ما هٰذا الذي تقوله؟ هل مِن الخاطىٔ أن أكون سعيدة برؤيتي ابني يكبر أمامي؟ لا تقل كلامًا كهٰذا مرة أخرى.

رفع كتفيه غير آبه وقال مُمتعضًا:

- وما الفائدة من سماع الكلام إن كنتُ لن أطبق أيًّا مِنه؟! ما هٰذا إلّا محض هراء لا أكثر.

مشى وتبعته حيث غرفته وبينما يمشيان سألته بِحماس واضح من عينيها وصوتها:

- حسنًا دعك من هٰذا الآن، أخبرني، كيف كان يومك الأوَّل؟! هل تعرفت على الجميع؟!

- مُمل. هٰذا هو يومي الأوَّل وأعتقد أنَّ جميع الأيَّام ستكون مثله، وبالطبع يا والدتي العزيزة لم أتعرف على الجميـع، الشُكر للرب.

أجابها وهو يتقدم من غرفته بنبرة جافة ومُتململة، استمعت لكلِّ حرف خرج منه بإمعان، تُريد فقط الاطمئنان حتَّى بعد مُكالماتها العشر له. قلبُ الأم!

Themis | ثيميسDär berättelser lever. Upptäck nu