السلطان المملوك 2

7.5K 406 11
                                    

#السلطان_المملوك
الفصل الثاني
و عادت شهرزاد في الليلة التالية لسرد حكايتها محاولة هذه المرة أن ترتب أحداثها، حتى لا يقاطعها زوجها بين فنية و أخرى. فقالت " بلغني أيها الملك السعيد.. ذو العقل الرشيد.. أن شاهين ابن الأشرس ابن هارون الثعلبي كان ملكاً قوياً سيفه بتار. ما من خصم يقف أمامه إلا و كان مصيره الموت. كان شاباً طويلاً قوي الجسد عظيمه. يشعر من يقف أمامه بالضآلة. عيناه السوداوان تخترقان الروح، و تنفذان إلى خفايا النفس، لدرجة تجعل محدثه يخشى إغضابه أو الكذب عليه. يقال أن أحد قادة جيشه قد هزم بمعركة كلفه بها. أمر ساعتها بإستدعاءه، و حين واجهه هذا القائد بهزيمته، نظر إليه شاهين، فما كان من القائد إلا أن بال على نفسه كطفل رضيع من شدة رهبته.. ساعتها أستل شاهين سيفه، و طعن القائد فأرداه قتيلاً. بصق على جثته و قال "جيش شاهين لا مكان فيه للجبناء!"

رغم كل هذه المهابة و الشدة، لم يعرف أحد أي من خصال البشر في شاهين، فهو لا يحب و لا يكره، لا يحزن و لا يفرح، لا يساعد أحداً و لا يسمح لأحد أن يساعده، لا يتمنى شيئاً من الدنيا رغم أن كل شيء ملك يديه.. كل ما في حياته الحرب و الدماء. تلك الشراسة التى يحويها اسمه و شخصه تجعله كالضواري، بل لعل الضواري أكثر حناناً منه، فهي تقتل لتسد جوعاً، أما هو فالحرب و القتل بالنسبة له منهاجاً و أسلوب حياة. كل هذا بدأ بعد مقتل والديه أمام عينيه حين كان طفلاً في العاشرة.

كان يختبيء من مربيته خلف كرسي العرش الخاص بوالده، و يكتم ضحكاته حتى لا يراه أو يسمعه أحد.. ساعتها دخل والده غاضباً من أمر ما، و سمع والدته تحاول تهدئة زوجها قائلة، " و لكنه أخي يا مولاي.. أخي!!" " لقد حاول أخوكي التآمر علي و قتلي كي يستولي على العرش! لا بد من أن يلقى جزاءه!!" " إذن إنفه خارج البلاد، لكن لا تقتله بالله عليك..." "و ما يدريني ألا يعاود الكرة مرة أخرى! لقد تكالب مع أعدائي على قتلي آنا و ابنك يا امرأة، ألا تفهمين؟!" "أفهم يا مولاي لكنه أخي و من دمي.." " إن كان أغلى مني و من ولدك، فإذهبي معه بلا رجعة!!!" أخذت الملكة بالبكاء، و كاد شاهين يخرج من مخبأه ليحاول أن يواسيها، فهو يحب أمه بشدة، و يكره قسوة والده مع الناس، لولا أن فتح باب مجلس والده فجأه ليدخل خاله، و معه عدة حراس من حرس الملك الشخصي.

صوت السيوف يكاد يصم أذني الطفل.. لقد تمرن كثيراً على المبارزة بالسيف، فلما يبدو الصوت مزعجاً و يثير الخوف في نفسه.. يرى والده ينازل عشرين رجلاً وحده.. يسمع صوته يطالب بنجدة جنوده و حرسه، لكنهم من يهاجمونه الآن! يسمع صوت بكاء والدته و هي ترجوهم جميعاً كي يتوقفوا قبل أن يُقتل أحد. سيف خاله يطعن أباه في ظهره.. سيف جبان غادر خائن كصاحبه. يقع والده أرضاً، فتحتضنه الملكة التي لاقت نفس مصير زوجها على يد أخيها الذي أستعطفت الملك لأجله منذ قليل.

أن يشهد المرء منظر الدماء النازفة من والديه على يد من كان له خالاً دون أن يذرف الدمع أو يصيح كمداً، كان أمراً له بالغ الأثر في نفس الصبي. ساعتها أقسم أنه لن يكن يوماً من الجبناء، و أنه سينتقم لوالديه سافكاً دماء خاله في نفس هذه الرقعة. ظل مكانه دون أن يخرج صوتاً حتى خرج جميع القتلة حاملين جثتي والديه. كان يعلم أن الخدم سيأتون في الحال لإزالة آثار الدماء. يجب عليه أن يهرب من القصر و المملكة. سيذهب إلى عمه. هناك سيتدبر الأمر لإسترداد ملك أبيه. لكن عليه الآن أن يهرب بهدوء عبر المهرب السري الذي أرشده والده يوماًً إليه. كل ما عليه فعله الآن هو أن يزيح الحجر الذي يقف عليه، و يهبط بهدوء لمدخل الممر.

"هل سيتمكن شاهين حقاً من الهرب؟ هل سيستطيع الوصول إلى عمه بدون عوائق؟" سأل شهريار. لكن الديك قد صاح فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح.


السلطان المملوكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن