السلطان المملوك9

5.4K 371 20
                                    

#السلطان_المملوك
الفصل التاسع
في إحتفالات مهيبة حضرها القاصي و الداني، تم الزفاف. كانت زهر الأقحوان كذبيحة تجر إلى المقصلة، لكنها أظهرت أمام الجميع سعادتها، و فرحها. كان أكثر ما آلمها لقاء ابنة عمها بزوجها.. أحست أنه مازال مجروحاً من رفضها له، و أن ابنة عمها تشعر بالغيرة منها، فقد أصبح شاهين أعلى مقاماً و أقوى سلطة، حتى أن زوج ابنة عمها صار يتودد له." آآآهٍ لو تعرفين يا ابنة عمي! لما شعرت بالحقد و الغيرة." تنهدت، فألتفت إليها شاهين مبتسماً إبتسامة رقيقة أمام الأخرين و قبل جبينها ناظراً إليها، و قد أختفت ملامحها الدقيقة خلف برقع حريري جميل. لكم تود أن تصدق هذه النظرات.. لكم تحسد المرأة التي ستوقعه بحبها يوماً.. لكم إزدادت حزناً، لإنه استطاع أن يزيد من وحدتها بإصطناعه حبها.. يعاقبها؟ أم يشعل ابنة عمها غيرة؟ أم الإثنين معاً؟ شعرت بأن قواها خائرة، و الألم في قلبها يزداد. لما وقعت في هوى ذلك الجلف الجاف القاسي؟ كادت تبكي أمام الناس، لكن كرامتها أبت ذلك، مما زادها ضعفاً على ضعف.

كادت تسقط على الأرض لولا أن وجدت نفسها تحمل علي ذراعين قويين. " أنزلني فوراً! أسمعت!" لكن زوجها لم يكن يسمع. أخذها كهمجي أمام الجموع المازحة الساخرة، و لم ينزلها إلا في جناح ضيافتهم بالقصر. ألقى بها على الفراش ساخراً " كدت تفقدين وعيك أمام الناس فأنقذتك. لما مشاعل الغرفة مطفأة؟ سأستدعي شخصاً لإشعالها." "لا داعي لذلك فأنا أفضل الظلام كي لا أرى وجهك.. على كل حال لن أنم على هذا الفراش و لو كان آخر يوم في عمري!" " يا زوجتي العزيزة.. لقد صرت تحملين اسمي، ستنفذين ما أرغبه أنا.. أما رأيك فهو كم مهمل لا أبالي بأي شيء فيه. أفهمتي؟" قالها بصوت كالصقيع، أرسل الرجفة في كل جسدها.. أرادت أن تبكي.. أن تصرخ.. أن تفعل شيئاً بدلاً من هذا العذاب الذي تعيشه، و ستعيشه معه.

آثرت السكوت، فما فائدة الكلام؟ نظرت لأصابعها المتشابكة بتوتر. أرادت أن تبدو هادئة، لكن من يراها، يرى طفلة على وشك البكاء.. حمدا لله أنه لا يراها. فنور القمر فقط هو ما كان ينير الغرفة. قفزت بسرعة من الفراش حين جلس على طرفه يخلع حذائه. ضحك بشدة و أخبرها أنه لن يلمسها، فلتنم قريرة العين مرتاحة البال. لم تعرف ساعتها أتبكي بؤساً لأنه لا يجدها أمرأة جذابة، أم تتنفس الصعداء لإنه لن يفرض نفسه عليها، أم تضحك سخرية من موقف عروسين في ليلة زفافهما يتعاملان معاً كمريضين للجذام. تحركت صوب النافذة ناظرة للقمر.

أما هو فتظاهر بالنوم، لكنه نظر إليهابدون أن يشعرها بذلك، فرأى ضوء القمر يتخلل خمارها و برقع وجهها الحريري. ملامحها مابين الظل و النور رقيقة. لربما أحبها في ظروف أخرى، لكنه لم يخلق ليحب، و هي لا تختلف في عجرفتها عن ابنة عمها.. ألم تناده بالمملوك؟ حسنا سيجعلها تعي من السبيّ بينهما. حين استدارت ناظرة نحوه، أغلق عينيه، لكنه لمح قبلها لمعان القمر ينعكس في عينيها الجميلتين.. عينيها الآسرتان. غضب من نفسه لتفكيره فيها كأنثى، و أجبر عقله على النوم، لن يشاركها نفس الغرفة مرة ثانية. فهذا عقاب له، و العقاب يجب أن يكون لها هي فقط.

قضت زهر الأقحوان ليلتها جالسة على كرسي، و لم تخلع رداء زفافها، لإن زوجها العتيد لم يسمح لأحد أن يدخل غرفتهما. فلم تجد بداً في الساعات الأولى للصباح التالي سوى سؤاله لمساعدتها في خلع ثوب الزفاف المليء بخيوط الذهب و الفضة و الحلي و الجواهر. كل جسدها يؤلمها، المجهود النفسي، ثقل الثوب المطرز، جلوسها طيلة الليل على الكرسي متيقظة.. تنهدت بتعب و هو يحاول فك أزار الرداء الخلفية الدقيقة بلا طائل. فشق الثوب لنصفين قاطعاً كافة أزرار الرداء عن قماشه.. تنفس ببطيء حين رأى نحرها المرمري، ثم صاح لاعناً مغادراً الغرفة.

خلعت الثوب الثقيل و أرتدت ثوب نومها، و راحت في سبات عميق لا تتخلله أي أحلام، فقط رائحة زوجها من بين الوسائد ما كانت تؤرقها، لكنها من شدة التعب لم تعد تبالي. لتستسلم للنوم علَّها تجد فيه راحتها.

"هممممم.. و أنا أيضاً أحتاج النوم ففي الغد الكثير من العمل.. يا مولاي." "لم أعد أطيق الإنتظار لقد حاولت.. بالله عليكي أخبريني!" " الصبر من شيم الكرام و أنت سيدهم." " بل خادمهم! فأكملي!" " ألا تعلم أن خادم القوم سيدهم؟" نظر شهريار للنافذة، ثم عاود النظر لشهرزاد، فأحست أنه سيلقي بها منها. تبسمت في وجهه بحنان و قالت " أعدك بالمزيد في الغد. تصبح على كل خير يا أعز الناس."

السلطان المملوكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن