السلطان المملوك 24

5.1K 329 25
                                    

#السلطان_المملوك
الفصل الرابع و العشرون
فور فتحه الباب وجد الدماء تلطخ وجه زوجته النائمة في وداعة، و ذراعا الوصيفة مرفوعان لأعلى، حاملان خنجراً مصوباً نحو بطن زوجته. في ظهر الوصيفة سيف أخترق قلبها من الخلف ليخرج نصله للأمام.. تتساقط قطرات دمائها من طرفه لتسقط على وجه السلطانة الغارقة في سبات عميق لا تدرك ما يحدث من حولها. أما من كان ممسكاً بالسيف، فهو خاله.

لم يستطع عقل شاهين إستيعاب ما رأته عينياه.. كانت عيني الوصيفة تلمعان بوميض الجنون و الحقد. شهقت فجأة حين سحب الملك سيفه، و أستدار ليواجه شاهين قائلاً " آين كنت أيها الجندي الأحمق؟ كيف تترك مكانك أمام غرفة مستشاري؟ كاد الفتى يُقتل بسبب هذه المرأة!!!" حاول شاهين فتح فمه ليجيب، لكن ما حدث لم يستغرق ثواني، ففي أثناء خروج الكلمات من فم الملك إستدارت الوصيفة في لمح البرق و طعنت الملك في ظهره، و هي تصرخ فجأة بإنفعال، لتسقط بعدها على الأرض بلا حراك.. أما الملك فقد بدأت الدماء تنبثق من فمه.. كان ينازع الموت، لكنه متشبثٌ بالحياة، و كأنه يريد أن يعرف السبب وراء كل شيء قبل أن يغادرها.

لم يعي شاهين أن لسانه قد بدأ بالتحرك ثانية، كانت الكلمات تخرج دون إرادته، خلع خوذته، و قال.. غريب أمر هذه الدنيا يا خالي العزيز، فقد قُتلت بنفس الطريقة الغادرة التي قتلت بها أبي! أتدري ما الأغرب؟ النائم الذي حاولت إنقاذه ما هو إلا زوجتي التي تحمل طفلي.. فسبحان من له الدوام.. قتلت أثنين هما أعز الناس عندي، و أنقذت حياة أثنين هما أغلى الناس لي؛ زوجتي و ولدي. عشت كل عمري كارهاً لك، و لكن حين أنظر إليك الأن، كل ما أشعر به تجاهك هو الشفقة و الرثاء..

وقع الملك على ركبتيه، لكنه تشبث بسيفه، و حاول النهوض، إلا أن قواه الخائرة خذلته، فيسقط في نهاية المطاف على وجهه أرضا أمام حذاء شاهين. كانت عين شاهين على زوجته.. ماذا بها؟ كل هذه الأحداث تتم و هي في خبر كان.تخطى فوق الجثث إلى أن وصل إلى فراشها و ناداها، فلم تستجب.. هز الفراش و حاول إيقاظها، و لم تصحو، فشعر بالقلق.. حاول إيقاظها ثانية، لكنها لا تستجيب، فصرخ آمراً بإستعاد الطبيب في الحال.

أخذ يزرع الغرفة ذهاباً و إياباً، إلى حين وصول الطبيب مهرولاً دون أن يستكمل لبس ثيابه.. حين دخل الغرفة، هاله ما رأى من دماء تملأ أرض الغرفة، و جثتين يثير مرآهما الرعب في القلوب. بإيدي مرتعشة، تفحص الطبيب الملكة، ليقول بعد برهة، " الحمد لله يا مولاي.. إن الملكة نائمة.. يبدو أنها أجهدت نفسها بشدة في الفترة الأخير، لذا إعترض جسدها على الأمر، و قرر أن ينام نوماً عميقاً.. لا شيء خطير بإذن الله.. أستميحك عذراً يا مولاي.." أخذ الطبيب يتحرك منصرفاً كسلطعون يخرج من ماء البحر للرمال، كي لا يخطو على الدماء و لا الجثتين، مما أثار ضحك شاهين بشدة.. يالسخرية الأقدار. نظر إليه الطبيب كأن بلاهة أصابته، مما زاد شاهين ضحكاً. خرج الطبيب من الغرفة لاعناً سوء حظه في العمل لدى الملوك المجانين.

أمر شاهين الخدم أن ينظفو الحجرة من آثار الدماء، و الجثث، و يجلبوا له ماءاً مقطراً، و قطعة من الحرير. حين تم له ما أراد أخذ ينظف وجه زوجته الحبيبة برقة من يلامس بتلات زهرة. لم تستيقظ رغم كل ما حدث. يبدو أنها تحملت فوق طاقتها. لكم يحبها.. لا إن الحب كلمة لا تكفي ما يشعر به. إنه يعشقها، بل يذوب في هواها. ظل ممسكاً بيدها يقبل أناملها، ناظراً إلى عينيها التي أسدلت الرموش ستائرها عليها، فأخفت عنه بريقهما. لكم يعشق إنعكاس صورته في عينيها، و لأجل عينيها، سيدك الجبال.

خرج من غرفتها، ليتركها ترتاح، و أسرع إلى مجلس مستشاريه. " أريد الأميرة نور القمر هنا، و زوجها مكبلين راكعين أمامي. لا أريد نقطة دماء لجندي، و لا فلاح، و لا صانع. أريد أن يتم خطفهم من فراشهم.. أن يصبحوا كالبعير المقادة أمامي هنا.. أريد ذلك قبل أن تستيقظ سلطانتي من نومها.. أمامكم لظهيرة الغد!" " و لكن يا مولاي.." "لا أريد شيئاً سوى تنفيذ أوامري، و إلا آل مصيركم إلى سيفي كما حدث مع قائد الجيش.. أفهمتم!" " السمع و الطاعة يا مولاي"

أسرع و أمهر عشر فرسان كانوا يقطعون المسافات عدواً فوق ظهور جيادهم. بسرعة رماح اليمن المنطلقة سافروا لمملكة نور القمر و زوجها، محملين لا بالسلاح، و إنما بالنقود. فالمال في مملكة يسودها الظلم و جشع الحكام القساة، له سلطة أكبر من سلطة ملوكها أنفسهم.. و بما أن نور القمر و زوجها مكروهون من الغني و الفقير على حد سواء، فقد تم رشوة مجموعة من الوصيفات و الفرسان، الذين قاموا بتخدير الملك و الملكة أثناء نومهم بمستخلص جوزالطيب المركز الممزوج بالناردين و الخشخاش، فوضعوا كلاً منهم في جوال كبير من الخيش بعد أن كمموهم و كبلوهم كما البعير المساقة للذبح. و أخرجوا الجوالين على أنهما مخلفات من مطبخ القصر.. كل هذا و فرسان شاهين بالإنتظار على أحر من الجمر أمام بوابات المدينة. سلموا المال، و أستلموا الملكة و زوجها، فلم يضيعوا لحظة و أنطلقوا رجوعاً إلى سلطانهم، حاملين معهم جوالين ثمينين له.

" أدفع نصف عمري، و أرى نور القمر المغرورة على حصان فارس يعدو بسرعة و هي كجوال البطاطا.. ههههههههه!!!! أليس هذا المنظر مضحكاً يا شهرزادي؟ شهرزاد .. شهرزاد! آآآآه ها قد نامت مجدداً!!"

السلطان المملوكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن