السلطان المملوك 22

4.8K 312 4
                                    

#السلطان_المملوك
الفصل الثاني و العشرون
الصبر! من أين لها به؟ لا تعرف إن كان زوجها على ما يرام، أم لا.. لا تعرف أين يختبيء الأن.. هل رأى الرسالة التي كتبتها و تركتها له؟ متى تصل الجيوش؟ ستكون كارثة إن كانت خيانة قائد الجيش بالتعاون معهم! لكن لا، فلقد تظاهر أمام الجندي الفارس بأنه حانق على تأخر العون.. إذن فلا أعوان له سوى الشخص الذي حادثة في تلك الغرفة المظلمة. لن يبحث أحد عن زوجها، و لا حتى المتأمرين، فلابد أنهما يعيان الأن بأن شاهين قد مات حيث أنه لم يحصل من القائد على الترياق. حسناً.. هكذا أفضل على الأقل فهو ليس في خطر شديد.. ليس الأن على الأقل. ستصل الجيوش إن شاء الله بسرعة، أليس كذلك؟ رأسها يؤلمها، و معدتها تؤلمها..

تكاد تموت هلعاً على جنينها الذي يقاسي الأمرين بسبب أمه التى تعدو و تقفز الدرجات، و لا شهية لها للطعام الذي لا يكاد يدخل فمها حتى يلفظه جوفها مرة أخرى. "يا ربي، لك الأمر من قبل و من بعد، فلتكن مشيئتك. إحفظ لي زوجي، و ولدي الذي لم يرى نور الحياة بعد. كادت تبكي ضعفاً و قهراً، لكنها سارعت بوقف العبرات قبل ظهورها.. "لا وقت للضعف الأن يا حمقاء." أنبت نفسها، و ظلت تأكل رغم غثيانها، ناظرة لوجه قائد الجيش الذي جاء متأخراً.. حين لاحظ تدقيقها في ملامحه، أصابه الإرتباك، لكنه إبتسم لها مطمئناً. تركت الطعام، و أعتدلت في جلستها، و بادلته النظرة دون إبتسام. فنظر القائد حوله، و إزداد إرتباكه. كانت تريده أن يشك بأن سره إنكشف أمامها. فإن شك، توتر، و حين يتوتر سيرتكب خطأً يدلها به على شريكه في الخيانة.

ما أغضبها فعلاً أنها قد سمعت هذا الصوت من قبل، لكنها لا تتذكر الوجه. حاولت مراراً إعتصار ذاكرتها، و لكن بدون طائل. كاد قائد الجيش الذي كان جالساً في مقعد مقابل لها يقول شيئاً، لكن الملك كان يوجه كلامه لها في هذه اللحظة.. " أتعرف يا فتى لقد فقت كل الأطباء، و التابعين لي حنكة و مهارة.. رأيك سديد، و مهارتك العلاجية لا حد لفاعليتها.. منذ الأن فصاعداً، أنت حر و لست سبياً، و سأجعلك مستشاري الخاص." " فضل مولاي و كرمه لا حد لهما، و ما فعلته يا مولاي واجب على أيٍ من رعيتك." " أترون! إنه يعرف ماذا يقول؟ و متى يقوله؟" كانت حاشية الملك غاضبة من قراره، أيعقل أن يكون مستشار الملك عبداً خصياً؟ و هم أمراءٌ و سادة من علية القوم، و يفضلهم عليه! لكن خوفهم من الملك قد منعهم من إظهار إعتراضهم. هنا تبسمت زهر بخباثة ناظرة إلى الطعام أمامها كي تخفي الفكرة التي ولدت في رأسها.. "فرق تسد." كم سيكون نجاح خطة زوجها أسهل إن إستطاعت تفريق الحاشية من حول خاله.

إنتهت المأدبة، و غادر الحضور كل إلى حاله. لكن القائد حاول تأخير زهر عن الإنصراف. "مولاتي بخصوص الترياق.." "أعرف يا قائد الجند أنك قد أنقذت زوجي، فإخلاصك لا شك فيه. هل هو بخير الأن؟" كست وجهها بكل ما للبراءة من معاني، و هي تبتسم له، فإزداد إرتباكاً، و أومأ برأسه بالإيجاب. و غادرها منصرفاً. تبعته هذه المرة أيضاً دون أن يشعر. تثق أنه سيعود لتلك الغرفة حتى يحادث من فيها، و يحكي لها عن شكوكه.

استندت زهر على الباب منصتة بتركيز شديد، فسمعت الحوار الأتي: " إنها تعلم!" " لا يمكن! توقف عن هذا الخوف! أنت قائد الجيش الأن.. لقد مات زوجها، و سلطتك مع الملك الجديد أعلى منها.." " أنت لا تعرفين شيئاً! إنك الملك يفضلها عن سائر حاشيته، لقد جعل منها مستشاراً شخصياً له.." "ماذا؟!! إذاً لا مفر من كشف أمرها أمامه فنتخلص منها و من زوجها!" " و لكنك قلتي أن مولاتك أخبرتك بألا تمسيها بسوء." " للأسف نعم، و لكن ليس حباً بل كراهية، فمولاتي أرادت أن تجعلها تذوق الأمرين، و تعاني الهوان بعد وفات زوجها، لم ترد لها الموت فترتاح من الشقاء.. عموماً سأرسل لها رسالة مع الحمام الزاجل اليوم، و أنتظر منها الرد قبل أن نفعل شيئاً. إنصرف أنت الأن، فلا أريد لأحد أن يراك هنا."

أسرعت زهر بالإبتعاد عن الباب، و أختبأت وراء أحد المقاعد الوثيرة.. ظلت في مكانها حتى بعد إنصراف قائد الجيش. معدتها تؤلمها.. تود لو تخلصت من الطعام و تقيأته، ليتها لم تأكل شيئاً.. مسكين جنينها حقاً. بعد برهة، فُتِح الباب مرة أخرى. رفعت رأسها لتلمح المنصرف.. يا إلهي! إن الشريك الخائن أخر شخص توقعته، و لكن لا وقت لتضيعه، يجب أن تعرف من مولاتهم التي تكرهها هكذا بشدة. خلعت نعليها، و سارت حافية تسلك نفس الطرق، و تختبيء بين فنية، و أخرى حين يكاد أمر مراقبتها ينكشف. حتى وصلا إلى برج الحمام الزاجل في أعلى برج القلعة. حمدت زهر الأقحوان ربها أنه ألهمها الفطنة أثناء الإحتفال.. حين قالت بأن لديها مشكلة في القوس و السهام الخاصة بها، و ستذهب بهم إلى صانعهم بعد الوليمة ليصلحهم، و تأخذهم في الصباح التالي كي تذهب لصيد ثمين من أجل الملك، مما جعل الملك يسر من خادمه الجديد، و أمر بإحضار قوس و سهام على أروع ما يكون لها. و ظلت تحملهم في سيرها الخفي، و صعودها الدرج لقمة البرج.

نظرت من ثقب في الحائط، فرأت تلك الوصيفة ذات الملامح الهادئة البريئة، و التي كانت تكبر سائر وصيفاتها سناً، تكتب رسالة على عجالة و تربطها في ساق إحدى الحمامات الزاجلة، و تركتها تطير. أسرعت الوصيفة بالخروج قبل أن يراها أحد، فلم تلمح زهر التي ألصقت جسدها في الحائط، و أسرعت بالولوج إلى نفس المكان الذي كانت تقف فيه الوصيفة، أدخلت السهم في القوس و شدته.. "يا زهر ترددتي يوماً في قتل زوجك، فأخطأه السهم، و اليوم تطلقين سهماً لأجل إنقاذه، فلا مجال للخطأ.. أتسمعين!" بأصابع مرتجفة صوبت السهم نحو الحمامة الزاجلة التي كادت تختفي في سماء الفجر، لولا لونها الأبيض لما بانت، و لكنها إبتعدت.. " فلتصبها يا سهمي بالله عليك، فلا مجال لفرصة أخرى!"

و أنطلق السهم يصفر في السماء؟ ترى هل رمت فأصابت؟ " يا إلهي! لقد صاح الديك!"😜

السلطان المملوكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن