السلطان المملوك11

5.3K 357 28
                                    

#السلطان_المملوك
الفصل الحادي عشر
عند وصول شاهين و زوجته إلى القصر مع الحاشية، أقيم إحتفال للعروسين. كانت زهر الأقحوان مرهقة جداً، لكنها لم ترد أن تفسد فرحة من حولها. من حولها؟ من هؤلاء؟ إنها لا تعرف مخلوقاً منهم سوى زوجها! حتى هو.. ظنت أنها تعرفه يوماً، لكنه حطم ذلك التمثال الذي صنعته له في الذاكرة.

فور إنتهاء الحفل، كاد يغشى عليها من شدة التعب، فقام زوجها بحملها كريشة بين ذراعيه القويتين حتى وصل بها إلى جناحها، و هناك.. ألقاها كجوال من القمح فوق الفراش، ثم تمنى لها نوماً هادئاً، و أغلق الأبواب خلفه. كانت ستبكي لو ملكت من الطاقة ما يكفي للبكاء، لكن تعب السفر، و قلة النوم، و مجهود التظاهر بالسعادة لدرجة آلمت فكيها و شفتيها جعلت من النوم ضيفاً منتظراً مُرحباً به. في سبات عميق، ذهبت في رحلة إلى ظلمة نوم بلا أحلام.

أما شاهين، فقد ظل يزرع غرفته ذهاباً و إياباً. لم يستطع النوم رغم مجهود الطريق. لم يكن له رغبة في التحدث مع حاشيته في شيء. أعصابه كوتر قوس مشدود، كل ذلك بسببها! لما شاء سوء حظه أن تكون هذه الفتاة زوجته؟ لكنها لم تكن شيئاً توقعه. جمالها هادئ، و صوتها حنون.. تعطي إنطباعاً لمن يُكلمها بأنها كلها أذان صاغية، و كأن عقلها يتشرب كل كلمة تقال.. تتذكر تفاصيله، و معالمه كلما نظرت إليه بعينيها، و كأنها قطة جريحة تنتظر من يواسيها.. عينيها.. لو قابلها و هو في صغره لأحبها منذ الوهلة الأولى، لكنه فقد براءته مراراً. يعي أنها ليست كإبنة عمها، و أن كل ما قالته كان بدافع الحفاظ على كرامتها لإنه جرحها. فقط لو كان يعلم بتصنتها على حديثه، لما قال شيئاً.

ما الذي حدث له؟ لما يشغل باله بمشاعرها السخيفة، و عينيها، و تفاصيلها. لقد تزوجها لغرض معين و إنتهى الأمر! هو أيضاً لم يرد الحرب، فلا حاجة لمحاربة السلطان الذي أجزل له العطاء، و لا لمعادة الوزير الذي كان أقرب ما يكون لأب له، و لا صديق عمره الذي قد يموت في تلك الحرب.. إضافة إلى أنه يعد العدة لمحاربة خاله في يوم ما، و لا حاجة لخسارة أي جندي. حاول أن يضع مخططات للحرب، و سبل لجمع المزيد كي يصرف تفكيره عنها، و نجح.. إلى أن قرر أن ينام ليرتاح، لكنه فور أن وضع رأسه على الوسادة، و أغمض عينيه حتى رأى عينين ضاحكتين تارة و باكيتين تارة أخرى.. عينان تعكسان الروح التي هما مرآتها. ذهب النوم بلا رجعة، فنهض، و قرر أن يركب جواده، و يعدو حتى يهدأ.

مرت الأيام على نفس الوتيرة. تجاهل، و تحاشي، إبتعاد.. حتى لاحظ كل من بالقصر. صار الجميع يعرف أن السلطان لا يلمس السلطانة، و لا يزور فراشها. أتراه يكرهها؟ أتراه أُجبر على الزواج منها؟ أتراه يحب أخرى؟ أتراه أكتشف أمراً مشيناً بها؟أتراه لا يعشق النساء؟ ..إلخ. زادت التساؤلات حتى وصلت لآذان كل من شاهين و زهر الأقحوان.

كانت زهر الأقحوان تعيش في عالمها. فمهما سمعت من كلمات مؤلمة، تحاول تجاهلها. لقد عاهدت نفسها أنها لن تبكي مرة أخرى. ستصبر حتى يخبرها بأنها حرة، و أن عليها الرحيل.. كما طلب، و كما وعدت. إلى أن شاهين قرر شيئاً آخر بعد سماع الأقاويل. فعندما حلَّ الليل، فوجئت زهر الأقحوان بزوجها يدلف لغرفتها، و يغلق الباب.

"ما الذي جاء بك إلى هنا؟ ماذا تريد مني؟!" " ألست زوجتي، و لي حقوق عليكِ؟" " أية حقوق؟! لقد أخبرت عمي أنك لا ترغب في رؤيتي أو الزواج مني.. رجاءاً إنصرف!" " لست عبداً لك يا إمرأة! آفعل كل ما أريد، وقتما أريد، و حيثما أريد! فأنا هنا الآمر الناهي!" " و لكنني لست إحدى جواريك!" " بل أقل! فالجارية أشتريها بمالي، و أنا من ينتقيها، لكنك فرضتي عليّ." ندم.. ندم كما لم يندم من قبل حين رأى الإنكسار و الصدمة من قسوة كلماته في عينيها. حاول أن يقول شيئاً يصلح به ما أفسده لسانه، لكنه لم يستطع. فغادر الغرفة مندفعاً.

"بعد هذا الموقف، إنتشرت الإشاعات و الأقاويل في القصر، و سائر أنحاء المملكة. هناك شيء خاطيء بين السلطان و السلطانة. هذا ما أجمع عليه الناس. و إزداد كل من شاهين و زهر الأقحوان بعداً إلى أن أراد الله أن تقربهما صدفة.. صدفة جميلة رقيقة، و ..... مولاي لقد صاح الديك.😜"

السلطان المملوكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن