السلطان المملوك 8

5.2K 367 20
                                    

#السلطان_المملوك
الفصل الثامن
وقفت خلف الستار في نفس المكان الذي كانت فيه منذ عدة سنوات حين كان عمرها أحد عشر عاماً.. كان قلبها يدق شوقاً و إبتهاجاً لإنها ستراه مجداداً. ترى هل سيحبها مثلما تحبه؟ أخذت تنظر إليه و هو يخاطب عمها السلطان بكل كبرياء. فتتسارع أنفاسها في صدرها لمدى فخرها بهذا الرجل الذي سيصبح زوجها في يوم ما.. إنه لا يخاف أحداً من البشر. يسير في طريقه نحو المجد محطماً أي عائق أمامه. حتى إنتبهت للحوار الدائر بين عمها، و وزيره، و زوجها المستقبلي.

"ما الذي تعنيه بهذا؟ أتراك جننت؟" كان عمها يصيح، فرد عليه أدهم (شاهين) " بل أحاول إيجاد حل لأمر فرضتموه عليَّ فرضاً. أنا لم أرد الزواج بها، و أعلم أنها حيلة أردتم بها وقف شن الحرب بين المملكتين. أعلم ذلك جيدا."
"ماذا؟ إن أردت لمحوتك من فوق هذه الأرض!" " لا تستطيع، فنصف جيشك يعرفني و يتمنون أن يحاربوا تحت إمرتي وولايتي. لذا، و من أجل قائدي الذي أثق أن إخلاصه لك قد يدفعني لمنازلته يوما..أوقفت رجالي عن مهاجمتك يا مولاي السلطان." "أدهم!!!" صاح بها الوزير موقفاً سيل الإهانات الغير مباشرة التي يصيب بها فارسه المغوار مليكه.

" معذرة يا من له مكانة أبي الراحل، معذرة يا مولاي السلطان.. لكني أريد أن أوضح شيئاً هاماً إن وقوفي هنا ليس عن ضعف، و إنما عن تقدير لمكانة كل منكما لي. لقد وافقت على عرض الزواج على مضض منعاً لنشوب الحرب. لكنني لن أربط حياتي بفتاة أخترتموها لي. سيعقد القران أمام الجميع، و لكن هناك خيار واحد من أثنين إما أن أغادر و أتركها هنا في قصرك يا مولاي حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، و إما أن أخذها عندي في مملكتى، حتى أقرر متى أرجعها إليك، لإنني لا أحب أن تكون مليكتي أمرأة فرضها عليَّ غيري."

كاد السلطان أن يموت غيظاً من وقاحة شاهين، فصاح: " فلتكن حرباً إذاً!" في هذه اللحظة دخلت زهر الأقحوان بعد أن غطت ملامح وجها بحجابها، فلم يظهر منها سوى عينيها. "بل الزواج يا عماه! ما فائدة قتل الأبرياء من أجل كبرياء جريح؟" "و لكن يا زهر.." " أعلم يا عمي أنك تخاف علي من زيجة ستجرحني؟ لكنني أعطيتك موافقتي عليها؟ و لن أسمح لأحد أن ينقص منك، أو أن تصبح مثاراً لسخرية من لا قيمة له. سأغادر مع المملوك بعد الزفاف. لكنني أريد أن أوضح شيئاً، سيكون زواجاً صورياً أمام الناس فقط، لن أسمح لمن كان سبياً أن يلمسني بيده."

قالتها و هي تخفي كل ألآمها.. قالتها و قد تفتت قلبها بعدما سمعت كلماته الجارحة.. قالتها و حبها كالغصة في حلقها.. قالتها و نيران الدمع المتحجر في عينيها بثقل ذنوب العاصي الذي يود التوبة فلا يستطيع. أرادت أن تجرحه كما جرحها، فما زادها ذلك سوى ألماً. كيف يتحول الحلم إلى كابوس واقعي هكذا فجأة؟ كيف تحول كيانها و حبها بالنسبة له لحمل ثقيل غير مرغوب فيه؟ كانت تعلم أن نظراته تخترق ظهرها، فعند دخولها نظرت لعمها فقط و أولت ظهرها للوزير و المملوك.. غريب أمرها كانت تظنه سلطاناً بعزة نفسه عندما كان فارساً، أما الأن و هو سلطان على ممالكه، فأصبح لها مملوكاً بقسوته و غروره. تعلم جيداً أنه سيجعلها تدفع الثمن غالياً، لكن ليس باليد حيلة، فإن لم يتم الزواج ستقوم حرب تعرف من الأن من المنتصر بها. ستضحي بحريتها و سعادتها و تحقن الدماء. استأذنت من عمها و انصرفت كي تطلق سراح عبراتها في غرفتها وحدها.

"إن أهنتها مرة أخرى فالويل لك، حتى و إن خسرت ملكي، سأعمل جاهداً على تحويل حياتك إلى جحيم، فقلب هذه الفتاة أحن عليَّ من ابنتي ذاتها.. و الآن دعوني وحدي.. لا طاقة لي بالكلام." غادر كل من شاهين و الوزير، و فور خروجهما من قاعة الحكم، صاح شاهين من بين أسنانه" الويل لها. تباً لفتيات هذه الأسرة المتعرجفات، لن أطلقها، سأتزوج جارية وضيعة و أجعل منها سلطانة عليها.. إن غداً لناظره قريب." فرد الوزير، " إن الأميرة زهر الأقحوان، مثال لدماثة الخلق و الطيبة و الوداعة، يبدو أنها سمعت حوارك مع السلطان.. يا ولدي لا تستقوي سلطانك على امرأة، فإن كرهتك كادت لك.. إن هذه الفتاة هي أصلح النساء لك، فقط إحنو عليها و أحبها." " لا أرى داعياً لذلك.. خير الأمور أن أتجاهلها. لا أريد رؤيتها أمامي ثانية."

"في تلك الليلة نام كل من بالقصر إلا أثنين.. فتاة بللت دموع الحزن و الجرح و القهر وسادتها، و شاب كان الغضب يسيطر عليه بسبب عينان جميلاتان ممتلئتان بالحزن و الكبرياء الجريح." تنهدت شهررزاد، و نظرت لشهريار فوجدته نائماً، " يا إلهي.. لقد نام مجدداً! يبدو أنني فقدت سحري في جذبه لقصصي و حكاياتي.. حسناً فعلت."


السلطان المملوكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن