السلطان المملوك 20

4.7K 313 6
                                    

#السلطان_المملوك
الفصل العشرون
"يا فتى!" إرتجفت زهر حين سماعها صياح خال زوجها منادياً إياها، لكنها تماسكت و ذهبت إليه. " أمر مولاي.." " أراك تلازمنا في كل مكان نذهب إليه.. من أنت؟" " خادم سيدي قائد الجيش يا مولاي." إزدادت زهر الأقحوان إنحناءاً محاولة أن تخفي معالم وجهها عن تلك النظرات الفاحصة المقيتة. لقد تأخرت الجيوش عن الوصول في موعدها. نظراتها القلقة التي تبادلتها مع قائد الجيش جعلت الأخير يحاول الخروج، فستأذن بالإنصراف متعللاً بحجة أن يدع الملك الجديد و حاشيته يرتاحون، كي يستطلع السبب وراء تأخر العون بإرسال أحد جنوده للحدود، و كادت زهر الأقحوان تلحق به، فقد نفذ صبرها، و أرادت أن تعرف ما الذي حدث؟

لكن نداء ذلك الغادر أوقفها.. ترى هل إكتشف الأمر؟ تجلدت بصبر واهي ليس لديها غيره، و إرتدت قناع الحنكة و براعة التمثيل، لكن دوامات القلق و الفزع على زوجها الذي قد يموت إن لم تعطه ترياق الدواء قبل مدة زمنية محددة، تكاد تفقدها صوابها. كاد القائد يقول شيئاً، لكن زهر منعته بنظرة من عينيها. فانصرف مع جماعته بعد أن فهم رغبة السلطانة.

إقشعر جسدها حين لمس الملك الخائن ذقنها مدققاً في ملامحها، " لولا شعرك القصير، لأجزمت بأنك امرأة حسناء! لك من ملامح النبلاء ما يجعلني لا أصدق أنك مجرد خادم." " إن لمولاي من الحكمة و الفراسة ما يليق بملك ذي بأس. لقد أُسرت في صباي يا مولاي، و كنت أنتمي لعائلة من النبلاء، و تم بيعي لأصبح خصياً لدى الأمراء، و الساسة." " حسناً.. هيا عاوني في خلع حذائي الجلدي، و أحضر لي ماءاً لتغسل قدماي، فمن شدة الألم، لا أستطيع الوقوف طويلاً!" "أمر مولاي.. في التو و الحال."

أسرعت زهر الأقحوان بتنفيذ الأمر، كي تبرهن أنها بلا شك أحد خدم القائد.. "آآآه! إن ليديك مفعول السحر، تبدو متمرساً بهذا الأمر.. يال رقة يداك، إنهما ناعمتان بضتان، لا يشبها يدي صبي أبداً.." سكتت زهر و لم تجب، و إكتفت بالإبتسام. أتراه إكتشف الأمر؟ هل يستمتع بإرهابها و اللهو بها كما يشاكس القط الفأر؟ هل هناك من خانهم، و أخبره بكل شيء؟ و لكن من؟ كانت تدلك قدمي الكهل، و عقلها يكاد ينفجر.. إن الوقت يتسرب من بين يديها كالماء، لا تستطيع أن توقفه. ساعتها إقترحت أن تُعد الولائم إحتفالاً بالملك الجديد.

" و لكن كيف يمكن لي الإحتفال و قد مات ابن أختي من توه؟" " يا مولاي إن الحي أبقى من الميت.. كما أن مولاي كان ملكاً على هذه البلاد قبل أن تغصب من بين يديه، و قد نال ابن أخيك جزاءه." " أتعرف يا فتى، إنك على حق! سآخذك من قائد الجيش، و أجعلك أحد أعواني المقربين." " هذا شرف رفيع لا أستحقه يا مولاي." " ههههههه بل تستحقه، فأنت تعرف ما يجب أن يقال في الوقت المناسب لقوله. كما أنك بارع في تدليك قدماي أفضل من أي جارية" " شكراً يا مولاي."

أنهت شهرزاد ما كانت تقوم به، حسناً هكذا ستكون هي من يراقب ذلك الأحمق و ليس العكس.. لن يبحث العملاق عن فريسته و هي تحت أنفه. هكذا يقولون، و لكن مازال تأخر الجيوش لغزاً محيراً، و مازال الوقت يمر ، و يجب أن يمنح شاهين الترياق. كانت معدتها تكاد تصيح ثورة على أربطة القماش المشدودة على بطنها و صدرها كي تخفي معالم أنوثتها. يا رب! فلتكن الأمور على ما يرام فقط مزيد من الوقت.

تعللت للملك بأنها ستذهب لإبلاغ الطهاة بأمر الوليمة، فسمح لها. أسرعت عدواً تجاه مطبخ القصر لتبلغهم، لكنها لم تعاود الذهاب للملك، و إنما صعدت لأحد أبراج الإستطلاع و المراقبة علها تلمح الفرج قادماً. رأت فارساً يعدو تجاه إحدى البوابات الجانبية، فأتجهت نحوها، و هي تهبط الدرج الحجري كما لو أن زبانية الجحيم يطاردونها. ها هو الفارس الذي رأته إنه يتحدث مع قائد الجند، إختبأت خلف إحدى الأشجار و أخذت تنصت لحوارهما.

" لماذا تأخرت هكذا؟" كان هذا صوت قائد الجيش. " قابلت قائد الجنود الذين غادروا مع الفتى المتنكر في ثياب السلطانة، و كانت كلمات قائدهم لي كالتالي: لقد واجهنا جماعة من قطاع الطرق، و نحن في الطريق، و نازلناهم بضراوة، لكن إثنان منا قتلوا و أخران أصيبا، و تركتهما في الطريق دون أن أنتظر. يبدو أن أحداً بالقصر قد أطلق السهام على الحمام الزاجل المرسل بالرسائل إلى الممالك! يا سيدي هناك خائن بالقصر، فلم تصل الرسائل إلى ولاة الممالك و أمراء الدول. لقد أبلغت أقرب الممالك إلى حدودنا بالأمر، و سيرسلون الرسل إلى البقية، لكن وصولهم سيتأخر عن الموعد الذي حددناه. كانت هذه هي كلماته بالحرف الواحد يا سيدي.. سأعاود الذهاب إليه الآن كي أعود معه لإحضار من أصيب من الجنود و مازالا على قيد الحياة" "تباً!" لم تنتظر زهر لسماع البقية، فقد أسرعت للملك حتى لا يشك بأمرها. تكاد تبكي، لكنها تماسكت أمامه و لسان حالها يردد "يا ويلي ماذا أنا بفاعله؟"

" لماذا تأخرت يا فتى؟" " لقد ذهبت لتلبية نداء الطبيعة يا مولاي بعد إبلاغ الطهاة؟" إحمر وجه زهر خجلاً، لكنها لم تجد علة سريعة تخطر على بالها سوى تلك، مما عرضها لسخرية الملك المقيت و حاشيته، و زادتها نكاتهم عن كونها خصيا تحرجاً، لكن الخطر المحدق بشاهين جعلها تتظاهر أكثر و أكثر. لم يبقى سوى ساعة واحدة.. يجب أن تمنحه الترياق. ماذا ستفعل؟

"ستنقذه أليس كذلك؟ ستنقذه..؟ شهرزاد؟ يا الله!!!!! لقد نامت!"

السلطان المملوكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن