السلطان المملوك 6

5.4K 380 18
                                    

#السلطان_المملوك
الفصل السادس
ربما في المرة الأولى كان القتل صعباً، لكن مع تكرار الحدث، صار شيئاً روتينياً لشاهين. سيفه كان مخضباً بالدماء على الدوام، صيحاته الشرسة في المعارك تطغى على أنين قتلاه، و صوت تحطم أعناقهم حين تشطرها حافة سيفه الحادة. كل أحزانه و إحباطاته كانت تنسي حين يحارب، لذا ظل يحارب. لكن الحرب لا تدوم طويلاً بعد الإنتصار، فبعد أن وضعت الحرب أوزارها و جاء وقت السلم، ولاه السلطان إحدى الإمارات الواقعة تحت سيطرته. لكن طموح شاهين بدأ يزداد. عليه أن يزداد قوة و سلطاناً.. لابد أن يعد العدة لملاقاة خاله و نزاله و إسترداد عرش أبيه.

علم أن خاله إستعمل الخديعة، و أحتال على عمه في خراسان ليدخلها غازياً، و يلقى بعمه في غيابات السجن. كان شاهين يرسل الجواسيس دوماً لمملكة والده، كي يعلم أخر الأخبار. لقد ضاعت سنين طويلة سدى. لعل الله جعله يقع في يد تجار الرقيق لحكمة، فلو تمكن حقاً في ذلك الوقت من الوصول لعمه، لأنتهى به الأمر في السجن مع عمه، أو معلقاً كالشاة الذبيحة على بوابات خراسان. فليسلم أمره لله، فسبحان من لا يغفل و لا ينام. كل ما يرجوه من الله أن يطيل في عمر خاله حتى رجوعه لوطنه كي يقتص منه.

حين تولى حكم الإمارة التي صارت له، كان عادلاً رغم قسوته و تعسفه في الكثير من الأمور، فكان يكيل العذاب ألواناً لمن يثبت إختلاسه شيئاً من بيت المال. في عهده لم ينم طفل و لا شيخ و لا رجل جائعاً. و هكذا كانت رعيته تحترمه و تهابه. كانوا يبذلون الغالي و النفيس من أجل إرضاءه، و لذا صارت إمارته من أغنى الإمارات، مما جعلها مطمعاً لأطماع بعض الملوك.. و هكذا جاءته فرصة نزال الأعداء مرة أخرى. هكذا كانت حياة شاهين حرب، و نزال، و سفك دماء.. و أستطاع بحنكته الحربية ضم العديد من الممالك الأخرى إلى ولايته، حتى حول إمارته الصغيرة إلى دولة كبرى، و أرسل إلى سلطانه يبلغه أنه يريد الإستقلال بحكم إماراته بنفسه دون وصاية عليه.

إستشاط السلطان غضباً إثر هذا النبأ و أجتمع مع وزيره الذي كان كبير قادته، و ولي شاهين. " لا سبيل سوى الحرب! سأعلم هذا المأفون درساً لن ينساه!!!" " مولاي.. إذا سمحت لي بالتجرأ على مخالفتك الرأي، فأدهم شركس لا يخسر حرباً أبداً، و قد حول إمارته الصغير لمملكة كاملة. إنه رجل حرب ذكي، لكنه قاتل سفاح في الحروب لا يعرف للهزيمة مذاقاً. أرى أن السلم أفضل الطرق لحل هذه المسألة.." " ماذا؟!! سأصير أضحوكة بين ملوك الأمم!! هكذا سيتسنى لكل والي أن ينشق عن حكمي.. لا مجال لذلك!!! أبدا!" " و لكن.." " لما أنت منحاز لصفه؟ ترى أين يقع ولاءك يا وزيري؟" " لك وحدك يا مولاي، لكنني أدرى منك به، و أعلم كيف يزداد ضرواة و شراسة في الحروب. فلنفكر في طريقة نمنع بها الحرب، و تحفظ ماء الوجه يا مولاي."

و هكذا أخذ كل من السلطان و وزيره يزرعان الغرفة ذهاباً و إياباً لحل المشكلة إلى أن صاح الوزير قائلاً "وجدتها!" " ماذا؟ أخبرني!" " نزوجه من ابنة أخيك الراحل الأميرة زهر الأقحوان، و بهذا يمكنك منح الإمارة له كهدية للزفاف يا سيدي، فتبدو أنت كمن وهب الإمارة له بناءاً عن رغبتك." " يالها من خطة ذكية و لكن أتراه يرضى؟" " لا أعرف. لكن ماذا لدينا لنخسره. أي شيء أفضل من مقاومة نمر شرس." كان الوزير يبتسم في قرارة نفسه، فقد تسنى له عدم خيانة السلطان، و حماية أدهم الذي يكن له مشاعر الأبوة. سيتزوج أدهم من فتاة بنسب ملكي. زهر الأقحوان أجمل و أهدى طبعاً من ابنة السلطان المغرورة التي أهانت كرامته.

و هكذا تمت كتابة خطاب أرسل مع الحمام الزاجل لشاهين. و الذي فهم فحوى الرسالة، فور أن قرأها. " أكتب يا كاتبي العزيز.. أنه بسم الله.. قد قررنا قبول عرضكم بخطبة الأميرة زهر الأقحوان، و سآتي للزيارة في نهاية الشهر. بعد عدة أسابيع، أعد شاهين العدة لمغادرة إمارته التي سارت مملكة عظيمة، و قوة حربية لا يستهان بها. و أنطلق في موكب مهيب لملاقاة عروسه المستقبلية.

ترى ما الذي ستقوله زهر الأقحوان؟ هل ستكون في مثل سلاطة لسان و غرور ابنة عمها، أم أسوأ؟ قست عينا شاهين، و شد على فكه.. و أقسم أنه سيجعلها تدفع الثمن.

"مولاي شهريار.. مولاي.. يا فرحتك يا شهرزاد لقد نام لأول مرة من تلقاء نفسه! هل حكايتي اليوم مملة؟ حسناً إن كان ذلك هو كل ما يتطلبه الأمر لنومك سأحكي لك كل ليلية حكاية مملة. هممممم تصبح على كل خير يا مليكي." يفتح شهريار إحدى عينيه بعد أن يتأكد من نوم شهرزاد، سيكون ملعوناً إن تذلل لها مرة أخرى لتكمل الحكاية حتى و إن كاد الشوق و الفضول يقتله.

السلطان المملوكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن