وعود

10.9K 586 235
                                    

رمقها بجنون وهي تقفُ بمُنتصف النار لتبدوا كبطلةِ مشهدٍ دراميّ زائف وكأنّ هذا اللهب الحارِق الذي إجتاح كُلّ ما حولها ليس سوى بريقٍ إلكتروني خادِع فقد كانت تقِفُ بثبات وعلى ملامحها قِناعاً بارِداً لا يُظِهرُ ايّةَ مشاعر الاّ انّ عيناها المُهتزّتان بهِما نظرةً غريبة موجِعة للغاية وهي تتأمّل ما حولها بتأنّي وكأنها تنقُشُ بذاكرتها هذه اللحظات ولم تستطِع الإقتِراب من ايّ شيء بل إكتفت بالتطلُع لحياتِها وهي تذوب امام ناظِريها .

الاّ انها اجفلت وهي تلمحهُ قريباً مِنها ليرفّ جفنيها بتعب قبل ان تفتح عينيها ليلهث بألم واضِعاً يده على قلبه وكأنها اخترقتهُ بنصلٍ تلِم .. وإستمرّت تنظُرُ اليه بذات النظرات الزائغة وعلى شفتيها إبتِسامةً واهِنة تنبِضُ بالإحتِراق فعقد حاجبيه والالم يتشعّب بقلبه كشرارةٍ في حقلٍ يابِس وعندما شعر بأنّ روحه ستُستلّ من اعماقِه اسبل جفنيه المُنهكين عنها وهتف آمِراً بصوتٍ مُتحشرِج
- تعالي .

الاّ انها بلحظةٍ واحِدة اخذت تسعُل بشدّة وقد بدت لها تلك الثواني التي مرّت قبل قليل وكأنها اعواماً فأخذت تُهروِلُ بخُطىً غير ثابِتة بإتجاه الغُرفة الصغيرة التي بدأ بابها العتيق بالتآكُل فركلتهُ بقدمها لتدخُل - علّها تُنقِذ القليل من المؤن التي إبتاعتها بالأمس بكُلّ ما تبقى من مصروف الشهر - قبل ان تشعُر بقبضةً قويّة تُكبّل خصرها وبحركةٍ واحِدة وجدت جسدها يرتفِع ليرتطِم وجهها بصدرٍ ساخنٍ خافِق فطوّحت بقدمها بعُنف غير قادِرة على الكلام .

الاّ انّ كِنان اسرع بالخروج وسقف الغُرفة قد بدأ بالإنهِيار فإزدادت قتامة النار و تعالت صرخات من بالخارِج فزمجر اوس بصُراخٍ مُلتاع مُتملّصاً ممّن حوله راكِضاً بجنون الاّ انّهُ توّقف بمكانه وهو يرى اُختهُ محمولة بين ذراعيّ كِنان فهرع اليها جاثياً على رُكبتيه وبلحظةٍ واحِدة إنتزعها من بين يديّ كِنان واخذ يهزّها هادِراً بغضبٍ
- اين كان عقلكِ الغبّي عندما دلفت للنار بقدميكِ التي تستحِقُّ الكسر .. كيف لي ان اعيش بدونك؟ هل فكّرتِ للحظة واحِدة فيما قد يحدُث لنا لو اصابكِ مكروه ؟

كات تهتزّ بين يده كدُميةٍ بالية والعرق الحارِقُ يتصبّب من جسدِها بغزارة بينما يداها المُحترِقتين من باطنيهِما جعلاها تُغمِض عيناه بإرتِجاف والالم يتضاعف بصورة مؤذية الى ان سقط رأسها بين ذراعيه كزهرةٍ ذابِلة وقد ماتت روحها .. وقبل ان تهمّ بالكلام نابت عنها السماء فبكت بنشيج مُطفِئة حُطام ذكرياتها لتضُمّ اخيها بقوّة مُمتنّة لقطرات المطر التي اخفت دمعها السخيّ بينما ابعد كِنان عينيه عنها وتسائل بداخله بألم هل رؤيته لجُلنار تحترِقُ حيّةً ستُنسيه هذا المشهد ؟

اومأ بالرفض والصيب الغزير يسقُطُ على وجهه كشظايا بُركانٍ ثائر وبلحظات كان الجمع يتفرق للعودة لمنازلهم فبقيت ريفال كما هي بين ذراعي اخيها وقد شعر بمرارة في حلقه فأجزم انّ طعم دموعها تسلّل اليه ليُدرِك انّ محبوبته تموت ببُطء فهذا تفسير الدموع في قاموسها كشمعة تذوب ببريق النار تتلاشى مع كُلّ دمعةً من بين عينيها الى ان يأتي يومٌ و تخبوا الى الابد .

سُكّر غامِقМесто, где живут истории. Откройте их для себя