عذاب

10.5K 436 175
                                    

في الطائرة الخاصّة التي تضُمّهُما جلس كِنان والسرور يكسوا قسماته وكأنّهُ قد وُلِد من جديد؛ فبعد شهور من المدّ والجزر هدأت علاقتهُما أخيرًا وانتظار الطفل صار سببًا آخر لإبتِهاجه عكس ريفال التي يبدوا على ملامِحها الوجوم والشرود بتفكيرٍ عميق قطعهُ مُمرّرًا كفّه على خُصلات شعرها في حركةٍ مُحّببة لتنظُر إليه وابتسامةَ حُبّ رقيقةٍ ترتسِمُ على وجهِها.

ففي الشهر الماضي الذي قضياهُ سويًّا أدركت انّ كُلّ مُحاولاتها لإقتِلاع هذا الرجُل من حياتِها ستبوءُ بالفشل وقطعًا لن ترغب بتذوّق مرارة الفُراقِ بعد لذّة القُرب التي جمعتهُما، فلو كان بيدها لبقيا هُناك الى الأبد إلاّ انّ دخولها في الشهر الخامِس من الحمل جعل ركوب الطائرة ليس بالشيء الجيّد لها ولجنينها لذا فضّلا العودة وهذا ما تخشاه.
- ما الأمرُ يا حلواي؟!
- انا خائفة يا كِنان.

همست بتلعثُمٍ وقد أثقل الهمُّ كاهِلها وما ان فتح ذراعيه إليها حتّى سارعت بتخبِئة إرتِجافها بصدرِه الرحِب لتُهدهِدها نبضات قلبه بحنانٍ دافق، زفرته الدافِئةُ تغلغلت بين خُصلاتِها لتمنحها أمانًا تمنّت عدم زواله:
- انظُري إليّ.
نبرته الحنونة ألقت بالمزيد من الحُزن على عيناها وهي تواجههُ ليقول بصرامة:

- لا شيء في هذا الكون الكبير سيؤذيكِ مُجدّدًا ما دُمتُ حيًّا، لن أسمح لأيّ أحدٍ بأن يُبعِدنا عن بعضنا البعض، لقد بدأتُ بتأسيس حياةً لنا وحدنا، دون أن يُزعِجنا ايّ أحد، تأكّدي انّ ُكُلّ شيء سيكونُ بخير.
لم يزُل بريق التردُّدِ بعينيها مما دفعهُ للقول بإبتِسامة:
- يبدوا انّكِ ستجعليني أبوحُ بالمُفاجأة قبل ان نصِل.
برقت اللهفةُ بسؤالها قائلةً بحماس:
- ايّ مُفاجأة؟

- لقد أمضيتُ الشهر الماضي بالبحث عن منزِلٍ لنا الى وجدتهُ أخيرًا، سنستقِرُ بمنزِلٍ كبيرٍ ليضُمّ أبنائنا الكثيرون في المُستقبل، سنبقى أنا وانتِ وأوس وجوان، وابننا الصغير.
قال بإبتسامةٍ عميقة والأملُ يكسوا روحهُ إلاّ انّها همست بعبوس:
- لا يُمكِنكَ تركُ القصر، ماذا عن والدتك؟ لقد أعطيتَ وعدًا بعدم...

- ريفال! لقد تأذّيتِ كثيرًا بسبب عائلتي ولم يعُد بإمكاني المُخاطرة ببقائكِ هُناك، أعلمُ انّكِ لم تكوني بخير وانتِ هُناك، حتّى حياتنا لم تكُن كذلك لذا لأجلِنا ولأجل طفلنا سنبتعِد، صحيحٌ انّني قد وعدتُ أبي ولكن لأجلكِ سأنكِثُ كُلّ وعودي.

همس بنبرةٍ قاطِعة لا تحمِلُ الجدل، نظرت إليه بعُمق، تحشرج صوتها، أغمضت عيناها وبراكينًا من السعادةِ والراحةِ تتفجّرُ بكُلّ خلاياها لتنساب عبر عيناها بدموعٍ بارِدة ولم تستطِع سوى الهمس بإسمه بهُيامٍ مُثمِل وكأنّها تنطِقُ آلافًا من عبارات الغرام، همهم مُجيبًا ندائها ويداهُ تُبعِدانها عن مقعدِها لتستقِرّ بين قدميه مُحتضِنًا إياها بشوقٍ لا ينضب.

سُكّر غامِقWhere stories live. Discover now