1 || زِيَارة مَلِكَ المّوتْ

4.7K 273 483
                                    


.*

وَسط هذَا الليلٌ الدامِس،والبردِ القارِس تساقطَت الثّلُوج البيضَاء بغزَارة لتغطّي كل إنشٍ بهذهِ المدِينة الهادِئَة،المنَازِل،الأرَاضي،الأشجَار،كلّ شيء رأتهُ عينَاها مِن شرفَة غُرفتهَا كان بالأبيَض النّاصِع،لَونهَا المفضّل.

معَ هذَا مارتدَتهُ ذلِك اليَوم كان لَاشيء عدَا الأسوَد،فستَانٌ أسوَد،عينَين جافّة،بشرَة شاحِبة،شعرٍ تداعبُه نسمَات الهوَاء البَاردة،وبكَاء قلبٍ يستَذكَر أحدَاث البَارحَة.

"  رفعَت فستَانها لألّا يعِيق حركَتها وهي تركُض ببمرّات القصَر ،فتاتنَا التِي بلغَت العشرِين قبلَ أسبُوعَين،صوتُ لهَاثها كَان يرتَجِف،حاوَلت الخادِمة مجارَاتها ولكنّ سرعَتها لم تكُن بمزحَة :

- أيتَها الأمِيرة احذَري أرجوكِ.

هَل هذا مهُم؟ هل سلامتِي أهمّ من أبِي الذِي يلفظُ أنفَاسُه الأخِيرة بهذِه اللحظَة؟،أشفِق عليكَ يا أبِي،ففِي هذا العالَم لم تجِد من يحزَن على موتِك سوَى أبنَاؤُك.

فتحتُ البَاب بقوّة،الطّبيب يقِف بجانِبُه مستلقِي على سريرِهِ،حركَات صدرِه العنِيفَة،ونبضَات قلبُه المُتضاربَة،أنفَاسه السّريعَة،كُل هذا كانَ كفِيل بجعلِي أدرِك أن يجبُ عليّ أن أفقِد الأمَل.

تقدّمت باتّجاهه لأمسِك بيدهِ بلُطف بعد أن جثَوت على ركبتِيّ :

- أبي!

- مَن..أنتِ؟

أغمَضتُ عينيّ بأسَى وكأنّ سؤَاله مزّق قلبِي هو حتّى لم يتمكّن من رؤيَتِي أو تميّيز صوتَ ابنتَهُ الوحِيدة.

- أنا ابنتُك..جيسُو..

- ج..جِيسو..أرجُوكِ..المملَكة بينَ يدَيكِ ال.....

ثوانِي مضَت ولَم أشعُر سوى بيدِه التي كادَت تسقط من بينِ يديّ،ملامِح وجهُه ارتَخت ،نبضَات قلبِه لم أعُد أستطِع سماعَها،لقَد مَات صحِيح؟ نظرتُ للطبِيب التِي أجابتُه بالفعل ارتسَمت على ملامِحه،أعدتُ النّظر إلى وجهِ أبِي رغمَ أنّه كان يلفُظ أنفَاسُه الأخِيرة إلا أنّ آخر كلمَاته كانَت عن مملكَتِه،أي حملٍ حملتُه على عاتقِك يا أبِي،ورغمَ كل هذَا الشّعب بكامِلُه يحتفِل خارجًا بموتِك.

- يمكنُك أن تُغادِر.

- أمرُكِ.

حملَ حقيبتُه السّودَاء وغادَر، فورَ سماعِي لصوتِ إغلَاق البَاب تنهدتُ بقوّة،أخرَجتُ كل ماكبتهُ لهذه الدّقائق المعدُودة،ووضعتُ كفّه على خدّي لآخر مرّة،بدت كقِطعَة ثَلج شديدَة البرُودة.

THE FOUR KINGDOMS [مُكتمِلة]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن