الجزء الأول: (6)

1K 87 36
                                    


(6)




شَخَّصني الأطبّاء بالـ "أليكسيثيميا (Alexithymia)" أو عدم القُدرة على التعبير عن مشاعرك؛ فقد تبَيَّنوا أنّي صغيرٌ جدًّا وتختلف أعراضي عن أعراض متلازمة آسبرغر (Asperger's Syndrome)*، وفي ذات الوقت لم تُظهِر تطوّراتي الأُخرى أيّ علامات توحّد. لم تكُن عِلّتي تحديدًا أنّي لم أكُن قادرًا على التعبير عن المشاعر، بل هي أقرب لعجزي عن تحديدها والتعرّف عليها في المقام الأول، ولم أُعاني من مُشكلةٍ في تكوين الجُمَل أو فِهمها كأولئك الذين يُعانون من تلفٍ في منطقة بروكا (Broca)** أو منطقة فيرنيكي (Wernicke)*** في الدّماغ -واللتان تتعاملان مع وظائف الكلام الأساسية- ولكنّي لم أكُن قادرًا على الشعور بالمشاعر ولا على التعرّف على مشاعر الآخرين كما كانت مُسَمَّيات المشاعر تُربكني، وقال الأطبّاء أنّ السبب في ذلك يرجع لأن اللَوْزتان الواقعتان داخل دماغي (Amygdala) كانتا صغيرتان على غير المُعتاد، كما لم يكُن التواصل بين الجهاز الحُوفيّ (Limbic System)**** والفصّ الجبهيّ (Frontal Lobe)***** يسير بالسلاسة التي يجب أن يكون عليها.

أحد أعراض صِغَر اللَوْزة الدماغية هو أنّك لا تعرف شيئًا عن شعور الخَوف، يقول الناس أحيانًا أنّه سيكون من الرائع ألّا تخاف شيئًا على الإطلاق ولكنّهم لا يُدركون ما يتحدّثون عنه؛ فالخوف آلية دِفاعٍ غريزيّة ضرورية من أجل النّجاة، وألَّا تعرف معنىً للخوف لا يعني أنّك شجاعٌ بل يعني أنّك غبيٌّ بما فيه الكفاية لِتبقى واقفًا دون حراكٍ في منتصف الطريق بينما تنقضُّ عليك إحدى السيّارات، ولكنّي كنت أكثر تعاسةً من ذلك، ففوق افتقاري للخوف كانت جميع وظائفي الشعورية محدودة، وقال الطبيب أن الجانب المُشرق الوَحيد هو أنّ ذكائي لم يتأثر رغم امتلاكي لَوْزةً دِماغيَّةً صغيرةً كهذه.

كانت نصيحتهم هي أن نُراقب سير الأمور بما أنّ كُلّ واحدٍ يمتلك عقلًا مُختلفًا، بل وطرح بعضهم عروضًا مُغريةً بقولهم أنّي قد ألعب دورًا ضخمًا في سبر أغوار العَقل، كما عرض الباحثون في مُستشفيات الجامعات أن يقوموا بمشاريع بحثيّة طويلة المَدى على نموّي حتّى أُذكَر في الجرائد الطبيّة، وسيكون هناك مُقابلٌ ماديٌّ سخيٌّ للمشاركة في ذلك، وأيضًا اعتمادًا على نتائج الأبحاث قد تُسَمَّى مَنطقةٌ في الدّماغ على اسمي، مثل منطقة (بروكا) أو منطقة (فيرنيكي)، فتكون: "منطقة (سون يونجاي)". ولكن أُمِّي واجهت الأطباء برفضٍ حازمٍ بعد أن بلغ صبرُها مِنهُم مبلغه.

فمِن الناحية الأولى، كانت أُمِّي تعرف أنّ (بروكا) و (فيرنيكي) كانا عالمان لا مريضان، فقد قرأت جميع أنواع الكُتب التي تتحدّث عن الدّماغ من زيارتها المُنتَظِمة للمكتبة العامة، كما أنّها مَقتت نَظرة الأطبّاء لي كعيّنةٍ مُثيرةٍ للاهتمام عوضًا عن كوني كائنًا بشريًا، وفقَدت الأمل سريعًا في أنّ الأطباء قد يُعالجونني، فكتبت في مُذَكِّراتِها: كُلّ ما سيفعلونه هو أن يُدخلوه في تجاربٍ غريبة أو يُعطوه أدويةً غير مُجَرَّبة لمُراقبة ردّات فعله والتّفاخر بالنتائج التي توصّلوا إليها في المُؤتمرات. وهكذا جهرت أُمِّي -ككثيرٍ من الأُمّهات المُفرطين في الحماية- بتصريحٍ جليٍّ والذي بدا مُبتذلًا وغير مقنعٍ قائلةً:

아몬드 (Almond) | لَوْزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن