الجزء الأول: (17)

532 57 23
                                    


(17)




- تحذير: هذا الفصل يحتوي على مشهدٍ عنيف.


***




كانت المدينة مُكتظّة بالزحام، وكان الاختلاف الوحيد بين تلك العشيّة وعشيّات الميلاد الأخرى هو أن الثلج أخذ يتساقط بعد أن صعدنا الحافلة مُباشرةً، وكان هناك زحامٌ مروريٌّ لا نهاية له، وفي أثناء ذلك أورد مُذيعٌ في الراديو أنّ تساقط الثلج الكثيف سيستمرّ حتى اليوم التالي ممّا وَسَم ذاك اليوم بكونه أول ميلادٍ أبيض منذ عقدٍ من الزمان، وإن لم تخُنّي الذاكرة فإنّي لم أشهد ثلجًا في يوم ميلادي قطّ قبل ذلك العام.

تراكم الثلج بسرعة مُخيفة كأنّه سقط ليبتلع المدينة بأكملها، فبدت المدينة الرماديّةً أكثر شاعريّةً حينها، ولم يبدُ الانزعاج من الزحام على مَن كانوا في الحافلة، ولعلّ سبب ذلك هو المنظر الساحر، فكانوا يحدّقون بافتتانٍ من النافذة وهم يلتقطون الصور بهواتفهم.

قالت جدّتي:

"أريد أن آكل الناينغميون (المعكرونة الباردة)."

وتبعتها أُمِّي لاعقةً شفتيها:

"وأيضًا ماندو (زلابيّة) لحم الخنزير الحارّة."

وتدخّلتُ موافقًا بقولي:

"والحساء الحارّ."

فتبادلتا النظرات ثمّ ضحكتا، فلا بدّ أنّ ذلك قد ذكّرهُما بحين سألتُهما لمَ لا يأكل الناس الناينغميون في الشتاء إِلَّا نادرًا فظَنّتا على الأغلب أنّي قد اشتهيته.

بعد أن غفوتُ في الحافلة ترجّلنا منها ثمّ سِرنا بمُحاذاة نُهير (تشونغ-غييه-تشون) إلى ما لا نهاية، كان عالمًا من البياض، وحين نظرتُ للأعلى رأيتُ نُدَف الثلج تتساقط مُسرعةً، فصاحت أُمِّي وأخذت تمُدّ لسانها للخارج لتتذوق الثلج كالأطفال.

تبيَّن أن المطعم ذَا التاريخ العريق الذي كانت جدّتي تتردد عليه لم يَعُد موجودًا عند زاوية ذلك الزقاق، ولم نجد مكانًا آخر سوى بعد أن تسللت الرطوبة مُبَلّلةً حاشيات بناطيلنا حد الغرق ووصولًا إلى سيقاننا والذي عثرت أُمّي عليه عبر هاتفها، وكان مطعم امتيازٍ مُحاطًا بصفوفٍ من المقاهي.

아몬드 (Almond) | لَوْزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن