٢١-|وطَّن روحها|

1.5K 129 35
                                    


«إن التخطي محطة محذوفة من طريق حياتنا».

قيل في الحقيقة إننا لا نتخطى ولا ننسى، سنبقى نتألم بسبب ما سلف، نحُنُ لهُم رُغم قسوتهُم، والسبب إننا بشر، تحكُمنا العاطفة، تُسيرُنا القلوب، تُخضُعنا للحنين نحو ذكرياتنا معهُم. قيل في الحقيقة إنها وحشٌ قاسي يعتلي عرش المشاعر، يُمسك صولجان الحُكم، تخضعُنا لها مهما أنكرنا، تقول لنا: إننا لسنا قُساة منزوعي الضمير، ساحقين للشعور والإنسانية مهما حاولنا أن نُبين، ومهما أرتدينا أقنعة الجمود، سنبقى بشر نتحرك بخيوط المشاعر. في ذلك المكان الخالي من أي روح عدى روحها المُنهكة من هذهِ الحياة كانت تقِف، دموعها تنطلق كالشلالات فوق قاحل روحها، تخبط مؤلم بمشاعرها وعقلها العقلُ يعصي والقلب يأنُ وجعًا، صراع دامي لا تُعذب بهِ غير الروح، حادت بعينيها للسماء، تبتلع غصة مؤلمة تنذر بأنها على وشكِ الذهاب بموجةٍ أُخرى من البكاء، تسير حافية القدمين فوق مياه البحر عل برودة الرمال المُختلطة بمياه البحر تبرد روحها المشتعلة، تقف بوجه الرياح العاتية التي كانت تهب بقوة تلفح صفائح وجهها الناعم لتتطاير دموعها مع الهواء كقطراتِ الندى، وبأقدامٍ مُحملة بالألم خطت خطواتها المُتثاقلة حيثُ سيارتها تركبها وبتلقائية تنطلق إليه.

والآن ها هي جالسة جوار قبره، عيناها مُرهقة ومُتورمة بوضوح، جسدها ينتفض بشهقات بُكاء تُمزق القلب، تشكي لهُ آلامها حتى وإن كان تحت التراب، تُعانق شاهد القبر كأنهُ هو علّ ما في الروح من أنينٍ يصمُت، خرجت كلماتها المُتعبة والباكية تشقُ سكون الليل وظلامهِ وأصابعها تُلامس أسمه بعذاب:
-لو كُنت موجود دلوقتي؟...
ناظرت المكان حولها بضياع ثم تأوهت باكية بألم:
-قوم قولي أعمل إيه؟ يا عُمران خلاص بقى نوم، قوم قولي هعمل إيه محتاجالك أوي، وأنتَ واحشني أوي، أنا بموت، موافق يعني على موتي، أنتَ مبقتش تحبني؟.

كيف لمن غطاهُ الثرى أن ينطُق؟ كيف لمن رحل أن يعود؟ بألم نهضت، تتخبط بمشيتها وهي تبكي بشدة، الحمل يثقل، الوجَّع يزداد، والعذاب لا ينتهي، أين سبيلُ النجاة؟ أين الباب الخاص بذلك القفص المصنوع من حديد القهر لتفتحهُ وتهرُب؟ نامت على مقود سيارتها، تطلق صرخة مبحوحة لم تُعينها أحبالها الصوتية لتخرُج عالية، ثم عينيها ينظُران للسماء بقهر:
-يــــــا رب.

إن الحقيقة التي لا يُمكننا نكرانها مهما تغاضينا عنها إننا لن ولم نقتلع الرأفة من قلوبنا، مهما تظاهرنا بجمود المشاعر وركودها.

____________________

حقيقة الحُب أنهُ لا يموت، مهما دعستهُ وحوش الفُراق، ومهما أحتل الألم مشاعرهُ، يبقى هو، سُلطانًا متوجًا فوق عرش الروح، يتجبر فوق عقلك، يتحكم بقلبك، ويُسير كما يشاء نفسك، لا ننساه ولا نسير من فوقه، وكاذبٌ من قال إن الحُب يومًا ما يموت أو يُقهر، أنهُ كما العنقاء يُحيى دومًا مهما أستحال إلى رماد... مع أول لفحة هواءٍ للحنين يعود ليشع نورًا ونارًا؛ في إحدى نوبات الحنين التي تجتاحهُ بين حينٍ وآخر نحو منزله القديم قرر أن يأخُذ أبنته لهُ، ليُريها عُشه هو ووالدتها، حيثُ بُني هذا البيت بالعشق، وكان أساس وقوفه الحُب، يُسمعها صوت الذكريات، ويُخبرها إن في هذا المنزل زُرعت هي برحم والدتها كبذرة لتُزهر فتُصبح هي وردة غرامهُم، بعد أن بعث بخادمتين لتنضيفه وترتيب غرفة نومه القديمة أخذها ورحل حيثُ عُش الغرام.

قاسية أرهقت قلبي. لـ|هايز سراج|.Where stories live. Discover now