٣٣-|قُبلةُ الوداع|

2.2K 210 109
                                    

في حبكة الحُزن لا بطولة للسعادة ولا حتى بدورًا ثانويًا يتفنن الكاتب بقتلها ويتفرد بسرد البؤسِ بأروعِ حروف، في حبكة الحُزن جميعُنا خاضعون لا نملك السُلطة بتغيير الخاتمة ولا النهاية حينها سينهار كُل ما بنيناه، نتغافل دومًا إن لو قتلنا الحُزن بها فهذا يعني إننا قتلنا البطل؛ هدمنا أساس الرواية، وبعثرنا سردها ومشاعرها، كحالها هي، الحزينة، بطلة قصص البؤس والبُكاء، الحزن والخذلان، أُنثى الشقاء هي ثابتة بحبكة حزنها والآن ها هي جالسة بين تِلك الحقول الواسعة تضع رضيعتها الصغيرة بحجرها تهمس لها بتهويدة خافتة حتى تنام وبعينيها نظرة حنونة تأسرُ الناظرين لها، تُحاوطها هالة سحرٍ فريدة من نوعها وكإن لا أُم بالعالم غيرها، ألتفتت يمينًا تبحث عن صغيرها الآخر بمهدهِ لكنهُ ليسَ هُناك فتلفتت حولها باحثةً عنه حتى توسعت عينيها بتفاجُأ وبسمة واسعة شقت شفتيها وهي تُبصر والدها يجلس أسفل تلك الشجرة البعيدة قليلًا، أخذتها خُطى الحنين نحوه بهرولة ملهوفة، تُنادي على رجُلها الأول بإشتياقٍ كبير:
-بابا وحشتني.

إبتسم لها بحب بسمتهُ التي أشتاقتها وتحنُ إليها، راقبت كيف أحنى ناظريه لتلك اللفافة بين يديها وكيف توسعت شفتيه ببسمة حنونة، إنتبهت لنظراتهِ فرفعت اللفافة بلهفة، تُريها لهُ ببسمة واسعة:
-بابا شوفت بنتي؟ كارما ومعاها توأم أسمه جاسر.

إبتسم بحنان، يميل مُقبلًا الصغيرة ثم إعتدل والآن إنتبهت لتلك اللُفافة بين يديه التي يُهدهدُها:
-ربنا يباركلك فيها ويحفظها ليكِ يا حبيبة بابا، شوفت جاسر حبيب جده ومن اللحظة اللي وقعت عيني عليه حبيته.

أرتعشت بسمتها وأعترفت بشجن، تقترب أكثر فتشعُر إنهُ يبتعد:
-بابا أنتَ وحشتني أوي.

إزدادت بسمتهُ أتساعًا ورد الشوق بشوقٍ أكبر:
-وأنتِ كمان يا حتة مني، هاخُد جاسر معايا بقى أوعي تزعلي مني يا حبيبتي.

هزت رأسها برفض قاطع، تجحظ عيناها المُرتجفة بأرتياع واضح:
-بابا أستنى متروحش يا بابا.

لكنهُ إختفى خلف الضباب، بين يديه صغيرها الذي لم تراه، فتحت فمها لتصرُخ لتُنادي على أبيها لكن صوتها لم يسعفها، بعسرٍ شديد تأوهت، تجلي أحبالها الصوتية ثم تُحرر صرخة قوية شقت حنجرتها تبعتها ببكاء مرير فور فتحها لعيناها!...

وبالخارج ...

قلبهُ يُدمى، عالمهُ ينهار، عيناه تملأُها الدموع لكنه لا يستطيع ذرفها، روحه كإنها تنسحب تود الذهاب مع صغيره الذي رحل قبل أن يحمله لكنهُ لا يقوى؛ أيُ كلمات تكفي لوصف ذلك الشعور البشع الذي يحتلهُ الآن؟ أيُ أحرُف كفيلة لوصف كسرتهُ، صدمتهُ، حُزنه ولوعتهُ، ورُغم كُل شيء ذهب بالهُ لها كيف ستصمُد حين تعلم إن حُلمها تسرب من بين أصابعها؟ إبتلع ريقه الجاف بجوفه المر بوجَّع وهمس بصعوبة، يُغمض عيناه بخوف أن يرى فُقدًا جديدًا يلوح أمامهُ:
-زهر، أهم حاجة زهر هي كويسة؟.

قاسية أرهقت قلبي. لـ|هايز سراج|.Where stories live. Discover now