21- أَعدُك

1.2K 178 63
                                    

لم يكن أمامها إلا أن تجلس هي الأخرى في المقعد الذي أشار لها عليه، فجلست بارتباك تتلمس الأوراق، لا تعلم إن كانت الجهة التي تنظر لها هي الجهة الصحيحة أم أنّ الأوراق مقلوبة، حتى قاطعها صوته المألوف بطريقة غير مألوفة هاتفا بأسمها

' فريدة '

صُعقت وتجمدت عروقها هل هو يحدثها حقا؟ ثم اقنعت نفسها أنها تتوهم ، أو أنه يفكر بها لذا قال اسمها في ذهنه، أو شيئا من هذا القبيل قبل أن تتضيع أكثر مع أفكارها سمعته مناديا للمرة الثانية:

' فريدة '

يحدثها بنفس الهدوء الذي التزمه طريقة منذ يومان، رفعت عيناها تجاهه، وجدته ينظر لها وكأنه ينظر إلى روحها، ليست نظرة عارضة أو بالصدفة بل هو يقصدها وكأنه يدير حوار ما، وصل ارتباكها لأقصاه عندما سمعته يقول:

' أعلم أنك تستمعين إليّ ،لذا رجاءا لا تنكري '

كادت أن تركض هلعا، لكن لا مجال لذلك ليس وكأنها ستختفي، هي ستراه مجددا فهو شريك عمل ،وليس شخصا مارا أو معرفة عشوائية، قررت أن تمثل كما كانت تفعل طوال حياتها، كأنها لم تسمع شيئا دورا اتقنته وبدأت في لعبه الآن.

خفضت عيناها تُزيّف هدوءها وكأنها لم تدري، تحاول السيطرة على ما تبقى من أعصابها متشبثة بأفكار غير منطقية وغير مفهومة، عندما باغتها مصرحا:

' أعلم أنك تستمعين إلي أفكاري الآن، وعلمت أيضا إنك استمعت لجون في الاجتماع، عندما أرادك كالسيدة فريدة ادكنز '

هنا شعرت حقا علمت أنه لا مفر لها، لقد وقعت في زواية ضيقة! وكأنه دلو ماء جليدي سكب على الحرارة الخارجة من رأسها فتجمد تفكيرها تماما، لم تكن قادرة على استيعاب الأمر حقا، بدأت أفكارها تتضارب ، ثم هربت فكرة من صدمتها تخاطر نفسها بها:

' هو عِرف ازاي؟'

رد عليها مخاطرا إياها: ' أراهنك أن هذا يعنى (كيف علم بالأمر )؟ أليس كذلك يا فريدة ؟'

بدأت فريدة تهلع بالفعل لم تكن قادرة على إخفاء أى شيء، ولا حتى على اتخاذ قرار ولم تكن قادرة على الحِراك حتي، لم تقوى على افتراض أي شيء، فقط كأنه توقف الزمان بداخل عقلها.

' رجاءا يا فريدة، لا تهلعي أنا لست هنا لأى شيء قد يضرك أعدك، ولست شخصا سيئا، لن أفعل شيئا لا ترضيه أبدا أعدك ،أنت مثلي وأنا مثلك ،أنا يمكنني سماع الأفكار '

لم تقوي فريدة عن رفع رأسها تجاهه ، ناهيك عن الرد عليه أو إظهار أية ردة فعل، عدا أنها فقط بدا عليها رعشة حاولت إخفائها بفرك كفيها معا في توتر، لم تصدق أنه يستمع للافكار مثلها! هل تسأله؟ هل تتأكد؟ لا هي فقط ارتعبت!

عندما لم يجد منها رد فآثر المغادرة، علها تطمئن له ولا تفزع ،فخاطرها يقول :

'حسنا يا فريدة، سأغادر الآن، أنت تعلمين أنى في الغرفة المجاورة لك ،إذا أردت التحدث يمكنك فقط مناداتى وسآتي ، فقط نادي يا رونج ، أو تحدثي معي من مكانك، بالطبع سأسمعك، كما كنت أسمعك دائما يا فريدة، فقط ثقي بي، أعدك مهما كان الامر ومهما كان قرارك سأدعمك وأحترمه ،بالطبع لم أفهم أيا من تفكيرك بسبب اللغة ، لكني أظلُ سامعك '

صمت هنيهة يناظر ارتباكها المبالغ به وقال:
' فريدة أعتقد أن ابتعادي لبعض الوقت، قد يكون مريحا لك لذا لا تقلقِ، قد اتأخر الليلة في العوده للغرفة المجاورة، لذا لا تشعري بالحرج عندما تعودين إلى هناك، سأحاول أن أعود بعد ميعاد نومك'

أنهى حديثه ثم ابتسم واستقام يضع حاسوبه في الحقيبة، وأخد يبتعد خارجا من المكان، تاركا خلفه فريدة التي تنفست الصعداء، وشعرت ببعض الراحة أنه قد غادر بدون أي أمر سيء حقا كما وعد، بعد فِعلة أمها البائسة بها عندما علمت بشأن قدرتها، لم تكن لتثق في غريب أن يعلم عن قدرتها أبدا.

ليس من السهل ان تجد شخصا يعلم بسرك الذي لم تبح به لأحد، بل ويشاركك في مثله، وكيف تثق به وانت الذي تأذيت من الإفصاح عنه مرة من قبل لأقرب الأقربين وغدرك!!

لم تكن ممن يرتمون في الأحضان الوردية، ولم تكن من المتفائلين بشيء لا يستند على حقائق!

فريدة ذاقت الأمريّن في سنوات عمرها الخمس والعشرون، وبالطبع لن تجاذف أبدا فيما سيتلوها!

عندما غادر أخذت فريدة تلهث كمن خرج من سباق أوليمبي قبل قليل، أخذت الأفكار الغزيرة والمشاعر المتضاربة تصفعها متلاحقة، لم تستطع التماسك، ولا حتى أن تأخذ قرارا في أي شيء.

جلست فترة طويلة متسمرة في مكانها تنظر لأسفل طارقة الطاولة بأطراف أصابعها، تحاول أن تحصل على فكرة واحدة صالحة ومنطقية.

ظلت لساعات داخل المكتبة تحاول الوصول لفكرة للتملُّص من ذلك المأزق، لكن جهودها كلها ضاعت سدى من فرط توترها، فشعرت بإرهاق فآثرت هي الأخرى العودة لغرفتها.

أنه من المستحيل عليها الآن أن تعمل حتى ، لذا لملمت حاجياتها مع أعصابها المنفلتة المبعثرة في كل مكان، وخرجت من المكتبة.

في البداية ظنت أنه قد ينتظرها في الخارج وحملت ثِقْل مواجهته مرة أخرى، لكن عندما خرجت وجدت أنه قد غادر حقا كما وعدها.

اكتشفت أن الوقت قد تأخر بالفعل عندما غادرت المكتبة، قد اقترب المساء، أخذت تمشي في الطرق في ذهول، تراجع كلماته في تفكيرها.

دخلت الفندق فالمصعد ووصلت طابقها كمن يهيم على وجهه، لم تنظر حتى حولها ولا لوجوه الناس، فتحت غرفتها ودخلت فوجدت الإضاءة لا تزال تعمل فزفرت تخاطر نفسها:
'هووف أدى آخرة الاستعجال '

وفجأة شعرت وكأنها في بث مباشر، مع اول فكرة جالت بخاطرها داخل الغرفة، هل رونج يسمعها الآن؟ نفضت الأفكار المقلقة والمنهكة عن رأسها وقررت الهرب فقالت :

' عايزة انااااااام '

بدأت في تبديل ملابسها، فكت حجابها، وما إن بدأت في أزرار ثوبها، حتى شعرت بيد تلتف حول عنقها مغلقة فمها بلاصقٍ طبي
...................................................................

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
**ملاحظة الحوار عامي في داخل مصر فقط أما باقي الرواية أحداثها في الخارج وبالتالي الحوار سيكون بالفصحى .
** الحوار الفصحى هو كناية عن استخدام الإنجليزية أو الفرنسية خارج حدود مصر ومع الأجانب غير العرب .
** استخدام الأقواس المزدوجة "مثال " هو للحوار المسموع المنطوق .
** استخدام الأقواس الفردية والخط المائل ' مثال' هو للحديث بالأفكار.
** قراءة ممتعة .
**إذا احببت القصة،أضغط على الفوت لمساعدة تصنيفها.
**أنا دائما في انتظار دعمك ،ضع افكارك في تعليق ودعها تحلق تجاهي.🤍🤍
دمتم في نعمة من الله .

《مكتملة》  ENIGMA  غامض انيجما حيث تعيش القصص. اكتشف الآن