35-لَا تَأْتيِ الآَن

1.3K 197 114
                                    

في آخر خطوة من بوابة منزل أسرتها الفاخر، خلعت عنها عباءة الخُذلان والآمال الزائفة والأحلام الطفولية الخرقاء، خرجت تناظر سماء العصر الصفراء الباهتة وتنفّست الصُّعداء واستعدت للتحليق بعيدا عن سِجنها وسَجّانها.

لقد خرجت للتو من ساحة حرب مع والدتها بأقل خسائر ممكنة ،وللمرة الأولى شعرت أن أغلال أقدامها قد تفتت في النهاية، وأخيرا استطاعت الهرب كما كانت تتمنى، ورفرفت جناحيها لرياح تهب بعطر مستقبل أخآذ وطارت بعيدا.

لم تكن عائلتها مصدر أمانها ولو للحظة، لم يحاول أي من والداها أن يكون حصن لها، والد مُغيّب وأم أقل مايقال عنها تستحل ما حُرم ،طالما هناك فائدة لها.

طوال سنوات عملها ظلت تجمع أموال الهرب بلا كلل، تضع القليل على القليل، لم تيأس ولم تتوانى في سبيل الحرية.

كانت على طريق عودتها لمسكن ميشيل ترى ذكرياتها الغابرة مع أسرتها وكأنه عرض سينيمائي لا يصدق.

لم تجد ذكرى واحدة سعيدة تشفع لهم، لم تجد أي لطف قُدِم لها إلا وكان ورائه إما مطلب جشع أو طمع بشع وكله كان على حساب سَلَامِها.

دخلت سيارة الأجرة في شوارع مدينة الإسكندرية قاطعة لها وصولا لمنزل ميشيل بعد ما يقارب الساعتين.

نزلت من السيارة ،صعدت درج البناية ركضا، كوبت كفها لتطرق الباب وقبل أن تلمسه، انفتح الباب معلنا عن ذراعي صديقتها ليستقبلها مأوى دافئ، فارتمت به تبكي سنواتها الخمس والعشرون بشهقات وأنين محترق.

خانتها أقدامها ستسقط أرضا ،لكن هذه المرة وجدت من يحملُ معها أثر السقوط، تلك المرة وجدت كف يربت على ظهرها ،تلك المرة وجدت دفئ يغمرها، تلك المرة هي لم تكن وحيدة، كل هذا الدعم التي لم تعرف عنه من قبل.

طفقت دموعها تحفر طُرُقا حارقة في خداها لم تفهم أهي دموع حزن أم فرحة الخلاص؟ وشعور السند هذا كيف تصفه؟! قاطع تخبُّط مشاعرها صوت دافئ يحن عليها:

"لا عليكِ يا صغيرة فقد انتهى الكابوس ، لقد زال أخيرا وانقشع، لقد أصبحتِ حُرة أخيرا"

كلمات رفيقة لم تأْلفها، حِضْن لين لم تعرفه ، أُلفة ومواساة لم تعهَدها، فبكت ليلتها باستسلام تودع طفولتها القاسية حتى نامت.

في صباح اليوم التالي استيقظت على عكس عادتها بعد الشروق بفترة كبيرة على أصوات بعض الرجال خارجا.

استلّت حِجابها القريب الموضوع برفق على حافة السرير الخشبية ،وسحبت رداء صلاتها الفضفاض المتواجد على علّاقة الملابس الخشبية بجوار السرير.

واقتربت من الباب بخطوات مترددة، نظرت في ساعة الحائط بجوار باب الغرفة كانت الساعة تقارب العاشرة صباحا.

خاطرت نفسها :
'مين حيجي في وقت زي ده ؟'

فتحت باب الغرفة فقابلها وجه ميشيل المشفق القَلِقْ التي تبدو وكأنها كانت على وشك أن تطرقه ،فبادلتها نظرة إستفسار وأردفت:
"من هم الزوار بالخارج يا ميشيل؟ وما خطب تعابير وجهك؟"

《مكتملة》  ENIGMA  غامض انيجما Where stories live. Discover now