الفصل الأول

4.2K 209 14
                                    

عقاب ابن الباديه بارت اول

عادت معه وهي مرغمة على ترك روحها وفلذة كبدها في الصحراء، تذرف دماء روحها عليه وهي تحاول تقبل فكرة انها لن تراه بعد اليوم،
وانها نفت قطعة منها بيديها وبكامل إرادة عقلها،
ولم تخضع لقلبها الذى جادلها بإستماتة حتي يثنيها عن قرارها هذا ويجعلها تقف في وجه الخوف معترضة.
ولكن للأسف خوفها من فقدان دائم جعلها تتقبل فكرة الفقد المؤقت، وأن عزائها الوحيد انه حي يرزق، حي يتنفس، حي بقلب ينبض.

نظر اليها محمود زوجها بشفقة واردف:
- مش كفايه عياط ياعايده بقالك ساعات عيونك مااخدوش هدنه، كفايه ياحبيبي عشان عنيكي، وبعدين احنا مش اتفقنا واقتنعنا يبقى لزمتها ايه الدموع دي؟

-غصب عني يامحمود دا ابني ابني

- وعشان ابنك وأبني، وعشان غالي علينا لازم نتحمل فراقه.. احنا مفارقينه عشان يعيش ياعايده وميحصلش مروان اخوه ويموت فى ظروف غامضه واحنا عارفين مين اللي موته ومنقدرش نتكلم.

- وهو دا اللي مصبرني على كل اللي بيحصل ده.. بس الولد هيتبهدل اوي يامحمود..
تفوهت بها وعادت تنحب بصوت عالٍ قطع نياط قلبه، وعلى إثره كادت دموعه أن تهطل هو الاخر ولكنه كبحها، لان هذا ليس الوقت المناسب لإظهار ضعفه، فالأيام قادمة وهناك متسع من الوقت للضعف والإشتياق والندم والحسره، وجل عزاءه هو أيضاً أنه يجب أن يتحمل لأجل إبنه ووريثه الوحيد وفلذة كبده التي قرر المحافظة عليها مهما كلفه الأمر.

وصلا اخيراً إلي القصر وترجلو من السياره، وكان الجميع في إستقبالهم، يحي اخيه وزوجته واولاده واخته مديحه، والذين هبوا واقفين ماإن رأوهم عائدون بدون آدم..
فهرول اليه اخيه يحيى متسائلاً في لهفة:
- ابنك فين يامحمود، الولد مش معاكم ليه؟
فأجابه محمود وهو يشيح بوجهه بعيداً عنه:
-آدم سافر يايحى ومش هيرجع تاني، سفرته عشان يتربى في بلد اجنبي ويتعلم هناك ويرجع راجل يعرف يحمي نفسه ويستلم ممتلكات ابوه.
نطق محمود بهذه الكلمات وعلى اثرها تراجع يحيي خطوتان للوراء وهو مذهول وقد تحولت ملامحه للغضب التام كمن ضربه برق فمزق أوصاله، وأردف بصوت متحشرج:

- بتقول ايه يامحمود؟ بعت الولد فين؟
- سفرته دوله اجنبيه يايحى، ايه مبقتش تسمع ولا ايه؟
وهنا تقدمت مديحه اختهم واردفت بعدم تصديق:
- انت بتخرف بتقول إيه يامحمود، ازاي سفرت طفل لبد تانيه لوحده؟ وانتِ ازاي ياعايده تطاوعيه وتخلي ابنك يبعد عن حضنك!
انتو اكيد اتجننتو عالأخر، بقى انتوا ام وأب انتو وعندكم مشاعر امومه وأبوه؟
هتنامي ازاي وانتي مش عارفه ابنك نايم ولا صاحي، جعان ولا شبعان، متغطي ولا بردان؟
هدر بها محمود بغضب جلي، فهو يعلم انها الآن تحاول الضغط على مواضع الألم لدى زوجته لتشعرها بمرارة وقسوة تصرفها:
- مديحه اسكتي لو سمحتي، وبعدين احنا عارفين احنا بنعمل أيه، واكيد انتي مش هتكوني أحن من أم على ابنها، وأصلاً متتكلميش علي مشاعر أمومه انتي مجربتيهاش ولا هتجربيها طول عمرك، ولا عندك علم بيها.
انهي كلماته المتلاحقة وصمت يلتقط انفاسه، فشهقت شقيقته وتراجعت للخلف واضعة يدها على فمها وهي غير مصدقة بما تفوه به شقيقها.. فهل تشمت بها تواً وعايرها بإنها عاقر لا تنجب الاولاد؟
ولم تكن لكلماته القاسية اثر علي شقيقته فقط، بل كانت صاعقة للجميع، فمحمود للمرة الأولى يكون بهذة القسوة!
امسكت عايدة ذراعه وهزته علها تعيده لصوابه ويدرك مدى خطأة، فابعد يدها عن ذراعه ونقل عيونه بين الجميع مؤكداً لما قال، فهو من اليوم لن يسكت لمن يتسبب بالألم لزوجته منهم، فيكفي ماعانته من الم بسببهم وماعاناه هو أيضاً.

رواية عقاب ابن الباديه بقلم ريناد يوسفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن