29

3.5K 217 27
                                    

رواية عقاب ابن البوادي الفصل الثلاثون

أنهى آدم محادثته مع المندوب وأغلق اللابتوب ونظر للجميع وتبسم إبتسامة جانبية وهو يرى نظراتهم المفهومة، أما أمه وأبيه فكانت نظراتهم مختلفة كلياً، فخر وتفاخر وسعادة بثمار ماغرزه به الشيخ منصور، إقترب آدم من أمه ومال على رأسها وقبلها ثم قبل راس أبيه وقال له:
- بوي انا معدي  الشركة من غدوة، انريدك  تيجي معي وتفهمني كيف  كان يمشى الشغل.
تبسم ياسين وهو ينظر لأبيه وهم يتخيلان منظر آدم وأبيه حين يذهبون لمقر شركتهم ولا يجدوا منها شيئ، مجرد حوائط وسقف وارضية، لا شركة ولا عمال وموظفين، فقط الرياح تدور بداخلها وتخرج.
وكذلك المصنع الذى أضحى مهجوراً ولا يستحق ان يُطلق عليه لقب مصنع، وحتى المخازن مرهونة عرفياً.
أما فريال فكانت تنظر لآدم بغل وهو يقف خلف أمه وأبيه، رجل يحمل من   صفات الرجولة مايجعله محط الانظار، بل يحمل كل صفات الرجولة إن ذُكر الصدق، فعلى الرغم من أن اولادها لا ينقصهم شيئ، ولكنهم رقيقون كالفتيات بجانبه، من حيث بنية الجسم وخشونة الصوت وحتى في نظرة العين والثقة بالنفس التي تقطر منه.
فهمت عايده نظراتها وإخذت تُعيذ آدم في سرها من عينيها، بل ومن عيون الجميع، وطلبت منه المغادرة للحديقة وستتبعه هى وأبيه،
ومايزه اخبرتهم بأنها سوف ترفع الطعام وتلحقهم على الحديقة بالشاي، وبدأت فى إدخال الطعام لحجرتها التى تحمل مفاتيحها فى قلادتها دوماً وتجلس أمامها ليل نهار، فقد أدخلت المجمدة والموقد وكل مواد الطعام داخلها، وأصبحت غرفة ومطبخ في آن واحد.

جلس آدم بجوار أمه واخذها تحت جناحه، وهي أسندت رأسها على صدره العريض الذي يشبه حائط يشعر من يحتمي به بالأمان، ونظر آدم لأبيه الذي لاحظ نظراته القلقة له واردف:
- ماتخاف علي يابوي، وليدك مو هاداك الصغير صاحب الخمس سنوات اللي تركته بالقبيلة، وليدك صار عقاب كبير  ماينقدر عليه، ومايغلبونه كومة فيران كل سلاحهم حفنة سم،كون هاني وطمن قلبك
- دول تعابين يابني مش فيران.
-إي وانا اكبر قانص للثعابين،ومايحوق في سمهم،قلتلك سابق ماتخاف علي.

عايده:
- هتروح الشركة بكره فعلاً ياآدم؟
- اي ياأمي انا مانمزح بأمور الشغل بالذات.
- طيب ممكن اقول حاجه بس من غير زعل
-اوووف تستأذنين لتحكي ياامي، والله انت تحكي ايش ماتريدي وقت ماتريدي ومانزعل منك لو اللي نطقتيه حكم بموتي.
عايدة بفزع:
- بعد الشر عنك ياحبيبي الشر بره وبعيد، اوعا تجيب سيرة الموت ياآدم تاني على لسانك، السيرة دي بتخوفني وتقبض قلبي.
- سلامة قلبك يالغاليه.. هااا هيا احكي ويش كان بدك تحكي؟
- كنت حابه اقولك انك هتروح شركة، والشركة فيها عمال وموظفين، ومينفعش ياحبيبي تروح وسطهم وإنت لابس الزي البدوي والعقال كده.. هو انت قمر فى كل حالاتك وبأي لبس، بس ياقلب أمك لكل مكان اللبس اللي ينفع فيه، خلينى اخدك وننزل اشتريك شوية هدوم على ذوقي وشوف ذوق أمك، من زمان وانا نفسى ألبسك على ذوقي.
- شوفي ياغلا قلبي، تو انا معك انه مايصير انروح الشركة بهالملابس وأنا عارف زين ايش اللي بينلبس بكل مكان، بس معذرة منك انا معي وااجد ملابس تنفع للحضر، ماتنسي أني بجامعة والجامعة مايتعدالها بالزي البدوي، أما مسألة أنك تلبسيني ع ذوقك فهادي بسيطة.، خدي مايزه وانزلوا للسوق واختاريلي ملابس بيتي كيف ماتريدي وأنا ايش ماتختاري هنلبس..
بس ماتختاريلي منامات عليها حيوانات وبدلة حمار وحشي وقرد بذيل قطعة وحدة كيف  زمان، انا كبرت الحين هااا.
ضحكت أمه وضحك ابيه أيضاً، واخذا يمليان عيونهم وقلوبهم منه، وقطعت تأملهم مايزه التى اتت بالشاي ووزعته على الجميع، فشرب منه محمود اولهم وإمتعضت ملامحه ونظر لمايزه وسألها:
- الشاي دا عامل كده ليه يامايزه، طعمه غريب أوي؟!
- إشرب ياأبو عقاب هادا شاي وعليه عشب من عشبنا ينضف الجسم ويحميه من السموم وينضف البطن ومايخلي بجوفك وصخ.
إرتشفت عايده من كوبها وكانت ردة فعلها شبيهة لردة فعل محمود، وأعادت الكوب لمكانه وهي تقول:
- لأ انا مقدرش أشرب الشيئ ده، دا طعمه مر أوي!
-مافي مجادله والله لتشربيه ورغم انفك تشربين، انا تعبت وسويتا وعمايل يدي ماتنكب.هادي وصفه نادرة وغاليه
نظرت عايده لآدم فرد عليها وهو يرفع كوبه ويشرب منه:
-أنا مادخلني ولا نقدر انسوي شي، واللي مايزه تقوله الكل ينفذه من فم ساكت، لهيك اشربي شايك واتقي شرها.. انهى كلماته وقام بشرب كوبه على ثلاث مرات متتالية وكأنه يشرب ماء، لا أعشاب مذاقها يشبه مذاق العلقم!

رواية عقاب ابن الباديه بقلم ريناد يوسفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن