٥

2.2K 150 4
                                    

رواية عقاب ابن الباديه الفصل الخامس بقلم ريناد يوسف

غادر قصير الخيمة تاركاً الصبي يكتم ألمه من السم الذي يجتاح جسده الصغير الآن،
والكفيل بجعله يصرخ حتى يصل صراخه عنان السماء، ولكن يال العجب إنه صامت تماماً، نعم ان قصير قد واجه هذه الحالة من الاستسلام للألم كثيراً قبل ذلك، وهذة مرحلة متقدمة من القوة والجلد والصبر، ولكن في مثل هذا السن الصغير لم تحدث قط، فهذا سن الفزع والاستنجاد لا سن هذا النضج الجسدي الغريب!

وصل الى خيمته فتناسى أمر آدم تماماً، ودلف وهو يشعر بانه لامس السماء فرحاً، فهاهي حياة جديدة بإنتظاره وللعروس فرحة لا تضاهيها أيه افراح.. أعاد الثعبان لسلته وتقدم اليها ورمقها بنظرات جعلتها تذوب خجلاً، ثم أمرها قائلاً:
تعالي صبيلي المي اغسل يدي لناكل اول لقمة سوا، اخاف اطعميكي بيدي يكون عالق فيها سم من الحنش تموتين قبل لا ادوقك ولا اتهنى فيكي.
نفذت سدينه أمره واقتربت منه بإناء فارغ وأبريق به ماء، واخذت تسكب له الماء وبدأ يفرك يداه بالصابون جيداً وهو ينظر اليها متفحصاً، وهي تتبسم له بخجل اذابه وحطم كل دفاعاته مما جعله أجل العشاء لوقت لاحق،
وقرر ان ينهي مهمته الاهم اولاً ويجعل من سدينة زوجة له.

في الصباح فاق قُصير عند الفجر على صوت عمه عمران خارج الخيمة ينادي عليه.. فأطل له برأسه وأردف له وهو يتثائب:
أبشر ياعمي راسك مرفوع.
تهللت اسارير عمران ورفع سلاحه واطلق عدة طلقات في الهواء معلناً عن أن إبنته صانت عرضه، ولو حدث غير هذا لكان قلبها مستقراً لهذة الطلقات الآن.

وبهذا الفعل علمت البادية كلها ما يود عمران إخبارهم به، وصدحت أصوات الهلاهل من أفواه النساء المتوارية خلف الخيام.
ووحدها مكاسب هي من تشعر بأن هذه الاصوات هي غارات تعلن عن حربها القادم مع سدينة،
وانتهاء الحرب لصالحها بإحتلالها لقصير بالكامل إن أنجبت له الذكور التي يرجوها.

أما آدم فلم ينم ليستيقظ، بل أمضى ليلته بكاملها يتقلب من ألم السم في جسده،
مما جعله يختبر شعور الموت للمرة الثانيه، ومع كل هذا لم يكن ألمه من السم،
بل كان ألمه الاعظم من تخلي ابواه عنه، والوجع كل الوجع من الشعور بالخذلان من القريب، أما البعيد فلا لوم على أفعاله ولا عتب.

انفض الأولاد من حوله كُل على عمله اليومي، أما هو فبقي وحيداً ينتظر نوعاً جديداً من عذاب لا يعلمه، ولكنه يعتقد أن قُصير يتفنن له فيه.

اما في القصر..
ابتسم محمود وهو يرى إخوته يهلون من بوابة القصر وملامحهم يشوبها القهر، فأخفى مابداخله من شماتة ممزوجة بوجع لا يشعر به سواه،
فكم هو شعور مقيت أن من يفترض بهم ان يكونوا لك اماناً ووطناً ومسكناً ودفئاً تقضي معظم وقتك في التفكير ماذا ستفعل لتنجوا من براثنهم.
القى يحيى التحية قائلاً:
- السلام عليكم.. ازيك يامحمود ياخويا عامل ايه، وحشتني.
ليرد عليه محمود بهدوئه المعتاد:
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حمداله ع السلامه يايحيى، حمداله عالسلامه يامديحه انتى وفريال، ازيكم ياحبايب عموا عاملين إيه.. قربوا ياحبايبي سلموا عليا واقفين بعيد ليه؟
لينطلق نحوه الولدان فور ان قال ذلك، ويرتميا في حضنه الحنون، أما هو فكاد قلبه ينفجر بين ضلوعه وهو يشعر بعاطفة الابوة نحو اولاد اخيه،
وفي المقابل تُقتل اطفاله هو على يد اخيه، واخذ يتسائل أي قلب يقطن بين ضلوعه ليطاوعه علي هذا الفعل! والذي لا تفعله الحيوانات مع من يجري في عروقهم نفس الدم وتربطهم بهم صلة قرابة!

رواية عقاب ابن الباديه بقلم ريناد يوسفWhere stories live. Discover now