Part 26 : تحت لِحاف نيفيكاري

13K 584 578
                                    

«بينما قلبه المثقل، مثل ترسانة حرب قُلب ما فيها وإنفجرت..

طنين ذلك الإنفجار كان يتردد داخل أذنه..
لا يختفي إلا عند رؤية عينيها».

____________________________

بخار متصاعد من سائل بني شاحب، كوب رخامي أبيض بزهور هندباء زرقاء مرسومة عليه، ملعقة فضية ذات ذيل بنقوش على شكل غصن ملتف عليها، إبريق شاي سرق من الكوب نفس الزخارف، صليب بلون ذهبي وأحجار كريمة صغيرة ملونة بالأسود، مربوط بشريط حريري أحمر جعله يبدو كقلادة موضوع فوق أحد الكتب بغلافه البني على الجانب.

فوق طاولة خشبية داخل غرفة مُضاءة بمصابيح الكيروسين في كل زاوية، حُمل الفنجان ولامست حافته شفاه مكتنزة مطلية بلون أحمر شاحب، ارتشفت من الشاي ببطء و وضعته جانبا بينما أعينها تقرأ ما وُضع أمامها من مطالب قد كُتبت بخطوط لا يشبه أحدها الآخر، شكاوي ودعوات مهمة، وثائق بعضها بدى عاديا والبعض منها كان أشبه برسائل، بختم شمع في نهايتها وإمضاء باِسم مرسلها..

كانت كلها صادرة من الشعب، من مختلف طبقاته، الفقيرة الكادحة وأصحاب الأراضي والمصانع، أسماء بارزة لتُجار معروفين و بعض المنخرطين في السياسة، كلهم وُضِعوا أمامها مثل كل ليلة..

دوقة نابولي، نيفيكاري زِفير السيدة التي حملت داخل إصبع البنصر خاتمًا ياقوتيا يثبت زواجها من الدوق ترامونتو ألبا، شخصان عُرف عنهما التواضع والكرم الذي من شدته وضعوهما بمكانة الملك الحالي للبلاد، كانا يُسيران نابولي من شرقها إلى غربها يجمعان الشكاوي ويتكفلان بأعمال المقاطعة بدل من أن يقوم بكل هذا الملك بحد ذاته..

أما الدوقة نيفيكاري عملها لم يكن مجرد فُتاتٍ جمعته من أسفل زوجها، بل كانت سيدة لها ختم خاص، لها كلمة ومكانة مرموقة جعلت اسمها يُدرج بجانب أشهر وأعرق الأشخاص في البلاط الملكي، بل ولأول مرة في تاريخ إيطاليا وُضع اسم إمرأة مع أصحاب الدماء النبيلة حتى وإن كانت هي الأخرى ذات أصول عريقة بقدرهم.

بالنسبة للملك كانت سيدة قيادية صارمة، تعرف متى تتحدث ومتى تصمت، متى تُرخي دفاعاتها ومتى تكن مستعدة على أكمل وجه، تعرف أين تستعمل رقتها وأين تحتل القسوة روحها، كانت تستحق المكانة وما هي عليه الآن، إمرأة ناجحة، فاتنة بحياة مثالية، تَغنى أهل نابولي بإنجازاتها وحظ زوجها بإمتلاكه نموذجا للشخص القوي الداعم له.

لذا فالآن وبينما رفعت رأسها عن الورقة التي سطع عليها ضوء المصباح الأصفر شعرت بألم طفيف خلف عنقها، أدركت أنها كانت منغمسة في القراءة والفرز قرابة الثلاث ساعات متواصلة، وتذكرت فجأة أن غدًا سيجتمع القياصرة أخيرا لمناقشة مسألة هروب الماركيز صديق زوجها الدوق، بعد أن إنتشرت شائعات أن هروبه متعلق بمرضه بالطاعون، وخوفا من أن يُقتل على أيديهم كَحلٍ لعدم تفشي المرض فر هاربا ولا أثر له منذ تلك اللحظة..

Protagonist | بطل الروايةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن