الفصل الثاني

122K 3K 532
                                    

الفصل الثاني :

إنغلق باب المصعد على كليهما ، فحبست تقى أنفاسها ، وتراجعت بجسدها للخلف لتلتصق بالمرايا الجانبية ، ثم أسندت كفي يدها على الحاملين المثبتين في منتصف المرايا لتعيد إتزانها المفقود ، فساقيها كانت كالهلام ، لا تقويان على حملها بالرغم من الصلابة الزائفة التي تدعيها أمامه ، وجسدها في حالة إعياء رغم تماثله للشفاء ، أما نبضات قلبها فكانت تتسارع بدرجة مخيفة ...

حاولت هي أن تضبط أنفاسها المتلاحقة ، وتسيطر على نوبة الرعب التي تمكنت منها حتى لا تنهار سريعاً ، وكذلك لكي تتمكن من التفكير فيما هو آتٍ بذهنٍ صافٍ ..

نظرت تقى بحـــذر بعينيها المرهقتين إلى أوس الذي كان متقدماً عنها بخطوة ، وراقبته بتوجس شديد ، فهي تخشى أن يباغتها بحركة ما تكون هي فيها عاجزة عن الدفاع عن نفسها ، فعقلها لم يتوقف للحظة عن التفكير فيما يمكن أن يفعله بها ، فتصرفاته يصعب التنبؤ بها ، وهي متأكدة من إستحالة ردعه طالما إنتوى أن يفعل أي شيء .. وبالفعل هي الضحية التالية لبطشه وجبروته اللامتناهي ..

إبتعلت تقى تلك المرارة المنتشرة في ريقها ، وقبضت بعصبية واضحة على حاملي المصعد ..

بدأت حبات العرق الباردة في التجمع على جبينها ، وتساقط البعض منها على حاجبيها ، فرفعت كفها لتمسحهم بحذر .. ثم تلمست خصلات شعرها المتلبد والملتصق بجبينها ، فببراءة أرادت إزاحتهم وتخبأتهم خلف حجابها – الذي ظنت أنها ترتديه – ولكنها أصدرت شهقة مكتومة حينما أدركت أن رأسها مكشوف ، وأن حجاب رأسها غير موجود بالمرة ..

اتسعت عينيها في فزع ، وتملكها الرعب بسبب شعورها الطاغي بأنها عارية بدون حجابها ، وأن كل من رأها طوال الطريق قد إستباح لنفسه التمتع بما يخصها ..

فإنسلت من عينيها دمعات خزي وإنكســـار بللت وجنتيها وأنفها ، وكذلك شفتيها ..

أصدرت تقى أنيناً مكتوماً ، وحدجت أوس – ذلك البغيض الذي يزداد كرهها له يوماً بعد يوم – بنظرات قاتلة .. فهو من وضعها في ذلك الموقف المخزي ، هو من يتلذذ بتعذيبها دون وجه حق ، هو من يريد أن يحني إرادتها ويكسرها بلا هوادة بسبب ذنب لا تعرفه ولم ترتكبه .. وهو من أوصلها إلى تلك الحالة المزرية وأباح لنفسه ما حُرم عليه ...

وضعت يدها على وجهها مجدداً ، ومسحت عبراتها الملتهبة عنه ، وأسندت إصبعها على طرف أنفها حتى لا يسمع هو صوت بكائها المرير ..

في حين وقف أوس معتداً بنفسه ، متفاخراً بمآثره ، ولم يخلوْ وجهه من إبتسامة الإنتصار التي تزيده عنجهية وجبروت ... فهو لم يكنْ ليخسر أي تحدي مهما كلفه الأمـــر ، فقد إعتاد أن يفعل ما يريد وقتما يريد دون أن يكترث بأي أحـــد ، ولم يهتم يوماً بمشاعر من حوله ، فهو من أجبر نفسه – منذ الصغر - على أن يصبح شرساً ، قاسياً ، عنيفاً ، ومتحجر القلب .. ولم يترك أي سبيل للرحمة أو المغفرة في قلبه .. وعُرف بين الجميع بصفاته البغيضة .. وبات الكل يخشاه بحق ..

ذئاب لا تغفر ©️ - الجزء الثاني ( ذئاب لا تعرف الحب ) ✅Dove le storie prendono vita. Scoprilo ora