الفصل الرابع "رحلة إلى جزر القمر"

128 27 30
                                    

بعد شهر من حادثة الحفل الموسيقي الذي كاد جورا أن يفقد حياته بسبب خطأ صغير، يقف جورا بالمنزل المحروق ذاك
-وبصياح: يا ملاكي الخضرراء ، مفاجأة لكِ.
-تفتح عيناها الخضراء: ماذا هناك؟
وقف متأملاً عيناها بعناية فائقة وكأنّ سحراً غاوياً يعبث بالأرجاء منبعثاً منه.
-كيف لي أن أذكر بعد أن رأيت مثل هاتين العينين؟
-ماذا؟
-سأسألكِ سؤالاً ، هل عيناكِ تزيدان جمالاً كل يوم عن غيره.
تبتسم بخجل فهي تحبه وتحب كلامه المعسول ذاك ، لكن تتغير ملامحها للغاضبة وتصيح.
-قل لي ، ماهي المفاجأة؟
-رحلة لجزر القمرر.
-حقاً؟
أي أننا سنركب طائرة؟
-طائرة جوزي.
-المهم أنها طائرة.
متى متى؟
-بعد ثلاثة أيام من الآن.
-سأحتاج لملابس سباحة وكاميرا لإلتقاط بعض الصور، على الرغم من أنني لن أستطيع رؤيتها ، فيقاطعها جورا بجدية: ستستطيعين، ألم أعدك؟
تبتسم الملاك الخضراء كمجاملة وتقول بحزن: أنت توفي لي بوعودك دوماً يا جورا، أنا أثق بك كثيراً، لكن هذا الأمر الوحيد الذي وعدتني به ولم تفعله إلى الآن.
يقترب جورا ويمسك رأس الملاك الخضراء ثم يقول: أمهليني الوقت يا ملاكي، طالما أنني وعدتكِ، فهذا يعني أنني سأفعل.

أما عند مساء أحد الأيام فكان جورا يحمل الكثير من الحقائب وأمامه تقفز الملاك الخضراء من الفرح بأحد شوار المدينة.
-يا ملاكي ، احذري من خطواتكِ.
بتلك اللحظة تتعرقل وتكاد أن تسقط لكن بلحظة من الثانية تبقى الحقائب وحدها وجورا اختفى من مكانه ليصبح عند الملاك ويمسك بها قبل أن تسقط.
-هل أصابكِ مكروه؟
-مبتسمة: لهذا أنا لا أحذر بخطواتي أبداً.
لأنك بجانبي ... أعلم أنني حمقاء لا أستطيع فعل شيء ، لكن ليس لدي غيرك.
-اعملي أي شيء تريدينه، سأكون بجانبك دوماً وأساعدك دائماً.
وإذ بالمروحية تحوم فوقهم لتنزل بمنتصف الشارع ذاك.
-لقد وصلت المروحية أليس كذلك؟
-بالطبع.
يصعدون مع جوزي متجهين نحو جزر القمر.
بالطبع لن تكون الرحلة مجرد ترويح للنفس.
سيكون لجورا عملاً ما بالتأكيد.
كانت الملاك جالسة بمقعد خلفي بلا حراك، أما جورا بجانب جوزي الذي يقود.
-أنت تحب الطيران، لكن لماذا اخترت مروحية؟
يوجد الكثير من أنواع الطائرات المذهلة.
-المروحية أفضل من جميع الطائرات.
فهي قادرة على الثبات بمكانها بوسط الهواء على غرار الباقيات، فهن يحتجن لمسافة كبيرة للإقلاع والهبوط.
عندما يوجد مكان كافي لهبوطها، فستهبط بسهولة.
ما عدا أنها تستطيع الإلتفاف بمكانها وهي ثابتة.
-هكذا إذاً!
فيلقي نظرة للخارج، وإذ به ينصدم.
-ماهذا؟
مخارج لطلقات؟
أم ماذا تسمّى؟
-ركبتهم بصعوبة،أليسوا رائعين؟
لكن ليس لدي الكثير من الذخيرة بعد.
-ماذا عن وقودها؟
-تكفينا للذهاب والإياب.
-هذا رائع حقاً.
أتذكر عندما سرقناها؟
فيبدأ جوزي بالضحك ثم يقول: كانت أيام جميلة.
ويكملان حديثهما كالمجانين.
حتى وصلوا بعد رحلة دامت يوماً كاملاً.

تهبط المروحيّة عند جرف صخري عالي في الصباح الباكر فيقفزان جورا والملاك الخضراء لأسفل.
-والآن، سأراكما بعد أسبوع.
-حسناً،استمتع.
ويطير جوزي مبتعداً.
-كيف يبدو المكان؟
فينظر جورا حوله ، ويندهش.
كانا أعلى الجرف الصخري المغطّى بالعشب الأخضر وأمواج البحر تضرب الصخور أما السماء فتزينها بعض الغيوم المتفرقة.
-إنّ المكان كعيناكِ.
-عيناي؟
-جميل جداً ، كالجنة.
تبدأ الملاك الخضراء بالتماس جسد جورا إلى أن أمسكت بحقيبةٍ كان ممسكاً بها ثم قامت بفتحها و أخرجت الكاميرا لتقول: هيا هيا صوّر،كثييراً.
-حسناً حسناً.
فيمسك بالكاميرا ويصوّر.
ثم يبتعد عن الملاك وهو يقول: يا ملاكي الخضراء،ابتسمي سأصورك.
الملاك : حقاً، انتظر انتظر هل فستاني جيد؟
ماذا عن شعري؟
أظنه مجعد.
-فقط افتحي عيناكِ، وأنا سأتكفل بالباقي.
لتستدير نحو صوته وتومي برأسها بالإيجاب ثم تفتح عيناها بابتسام صغيرة.
وتوقّف الزمن داخل رأس جورا، مابال جمالها هذا؟
-لم يعد للمكان جمال؟
-لماذا؟
هل حصل أمر ما؟!
-نعم، لقد فتحتي عيناكِ.
-ماذا؟
-لقد سلبتي المكان جماله،
بعيناكِ بابتسامتك.
كيف لي أن أرى شيئاً بهذا الجمال وأنظر لغيره؟
فتبتسم بخجل وتزيح رأسها نحو اليمين، ليلتقط صورةً أخرى.
وهكذا مرّ اليوم الأول.
استأجرا غرفةً بفندق يطل على البحر.

أما عند الساعة الثانية عشر منتصف الليل، تلمع عينا جورا الباردتان بذاك المكان المظلم.
فيخرج من بابٍ أمامه رجل ضخم أصلع يرتدي ملابس سوداء، فيضربه جورا على كتفه ويقول: أعتمد عليك بحمايتها.
-حاضر سيدي.
ويركض جورا للخارج وهو عابس.
صوت غراب مشؤوم يدوي على مسامع المكان أجمع.
رغم أن نومه يكون عند غروب الشمس، لكن هذا الغراب يصيح بقوة ليزعج الجميع.
أما بمكان آخر، ويبدو كقبوٍ ما ... به الكثير من الرجال والنساء الذين لا يهتمون لشرفهم.
ورجل يدخل لذاك المكان العفن متجهاً نحو المنضدة الرئيسيّة وهو يدخّن يقول للنادل: كأساً كبيراً أيها الكلب.
كان رجلاً يملك من العمر الأربعين تقريباً، ثم يجلس.
وإذ بالنادل يضع الكأس أمامه ويذهب مبتعداً مكملاً عمله.
فيدخل جورا لذاك المكان، ولا يكترث لما يحدث حوله ... فيحاول أحدهم سحبه نحو إحدى الطاولات وهو يقول: تعال واستمتع ياهذا، لكن جورا يسحب مسدسه ويوجّهه نحو الرجل ... وإذ بالجميع ينظر نحوه بحقد وكراهية ثم يبتعد الرجل عنه.
وهنا لاحظ ذاك الرجل المدّخن وصول جورا.
-الخديعة.
ليقترب جورا ويجلس بجانبه، ثم ينظر نحو النادل، ويبعد ناظريه عنه ويقول: كأس عصير يا صغيري.
أهلاً أيها السفاح الغني.
كان يقصد ذاك الرجل المُدّخن بها.
-أنت تعرف عملك صحيح؟
-بالطبع.
-أنا أثق بك.
فيرفع الرجل حقيبة بها الكثير من النقود،ثم يقول: اقتل غريمي نيبتون.
-اعتبر أن الأمر قد حصل.
فيمسك جورا النقود ويمسك كأس العصير ويشربه بالكامل ثم يخرج من ذاك المكان المقرف.

الخديعة.Место, где живут истории. Откройте их для себя