الفصلُ التاسع

177 17 31
                                    

إنتهى ذلك اليوم، نامَ الجميع وحلقوا في مناماتهم...
إستيقظ الموظفين وكل من يعمل في صباح اليومِ التالي مُتجهين نحوَ أعمالِهم..
.

كانت فترة الإمتحانات قد حلت، أزدادَ ضغطُ العمل على جانيل، العديدُ من الأبحاث والتقارير، تتكاثر الأوراق في مكتبه بسرعةِ لا تُصدق، كان يعملُ طويلاُ ولا يصلُ لمنزلِه إلا مُتأخراً..
.

يُساعِد من يحتاج من طُلابه إلى فهمِ شيءٍ ما أو أعطاءهم نصائح وإرشادات تُفيدهم في إجتياز قلقهم ومخاوِفهم..
.

كان الحرمُ الجامعيّ يعجُ بفصولِ التوتر والإرهاق، أسابيعُ وهم لا ينظرون إلى أوجه الراحة عدا الفاشِلين، أسابيعُ مضت دونَ أن يلحظ هوَ مرورها أمامه..
.

يُجهِد نفسه في المراقبةِ والتوجيه، وإعطاء وتسجيل الدرجات، نسيّ أمر الفتاة و نسيّ شوقاً وحنين يغمره إفتقاداً لتلكَ التلة.. العمل المُحيط لا ينتهي
.

تناثرَ الثلجُ وإختفت خُضرةُ البِقاع، كلُ شيءٍ تزينَ بالأبيض، الأشجار والأرض وحتى المباني تزينت به، يرتدي ملابِسهُ السميكة ويبحلقُ في النافذةِ بسهوٍ وفراغ، أفكارُه مُشتتُ ضائعة..
حلت عطلةُ الشتاء جاءت _ عُطلةُ الشتاء  _ كما يقُولون، الكلُ يحتفل والكلُ سعيد فهي نهايةٌ سنة وبدايةُ سنةٌ أخرى..
.

أبحرتُ في أفكاري حيثُ التلةُ والفتاة، أتُراها تحتفلُ وحيدةً هناك بين الثلوجِ القارسة، أم أنها تجلسُ بجانبِ المدفأة وتتمتع بتناول الكعك والحليب بجانبها، عزمتُ هِمتي للخروج، أردتُ التوجه للتلة  حتى أطمئن..
.

إرتديتُ معطفاً دافئاً، غادرتُ وأغلقتُ المنزل، كان شارعُ الحي خالياً من المارة، الجميعُ في منزله أو يحتفلُ وأصدِقاءه..
أسرعتُ الخطى مُتجاوزاً دروبي حتى وصلتُ إلى مقصديّ هُناك، كانَ خالياً، إقتربتُ أكثر إلى الحافة، كانت السماءُ داكِنة لا قمرَ يُنِرها و لا نُجوم، أضواء المدينةُ تلحفُنيّ بضوئها، مُفرقعاتُ تُضاءُ في السماء..
.

بقيتُ واقِفاً أتأملُ ما حوليّ، لا أعلمُ لمَ لم أُغادِر، ربما ذلك الأملُ في داخليّ يُبقيني هُنا، ظللتُ لساعات، حتى تجمدت أطرافي وإحمرَ أنفي، أنفثُ بعض البُخار من فمي حتى تدفئ أناملي، تسللَ اليأسُ في أعماقي وتجذر، إستدرتُ للوراء مودعاً التلة و مضيتُ عائداً في دربي..
.

هائماً أسيرُ في سبيلِ الهوى، ضائعاً في واقعٍ غريب، كمُغتربٍ بينَ الناسِ أسير، أصطدمُ بالمارةٍ ولا أُبالي للإعتذار، شعرتُ بيدٍ تُمسكُ معصمي وكأنها أفاقتني، نظرتُ في أملٍ بأن تكونَ هيَ ولكنه كانَ فتاً غريب..
- What?
قُلتُها فظاظة وقد أسقمني الأمل شوقاً وحنيناً..
- Your wallet!
قدمها إليّ، محفظتي سقطت مني دونَ شعور، شعرتُ الأسى حيال ما فظاظتي، إبتسمتُ أمامه وأثنيتُ عليه وشكرته، حاولتُ التنصل من أمامه فما حصلَ أحرجني للغاية، ولكنه ظلَ يُحدقُ فيَّ مُطولاً وكأنه يعرفُني، تحمحمتُ قليلاً مُظهِراً له عدمَ إرتياحيّ لنظراتِه.. تحدثَ بعد أن إستفاق..
- Mr. Janelle?!
- Yes!
أجبتُ والحِيرةُ تملئُ رأسي:..
- من تكون؟!
سألتُه مُتحيراً من أمره:..
- ألم تعرفني!؟ 
أبعدَ الوشاح عن عُنقه وأنزلَ من رأسِه تلك القُبعة الصوفيه..
تحدثَ:
- أنا طالِبُ لديك .. أسمي سُهيل
- أوه، ولكنّي لا أتذكرُ بأن أسمكَ مرَ عليّ من قبل..!!
- أعلم فـأنا طالبٌ خجول وغير إجتماعي، أتي إليكَ من حينٍ لآخر لأسألك عن شيءٍ ما فتُجِيبُني دونَ أن تسألني عن هويتي..
- هممم.. حسنٌ، سررتُ بمعرِفَتك!
- وأنا أيضاً .. ليَّ شرفٌ بأن أستضيفكَ للعشاء الليلة فهلَّ تُلبيّ عزيمتي..
- أوه ولكنّي لا أُريدُ مُضايقتكَ في ذلك..
- لا بأس فـأنا لا أسكنُ بمفردي، سيسرُ والديَّ إن عرفتُهما بك، هيا أرجوك تعالَّ معي ولا تُحرجني..
- ولكن!
- أرجوك بدونِ لكن---
- حسنٌ أيُها العنيد سأتي معك..
.

إبتسمَ وإعترتُه سعادةٌ مفرطة، كانَ يحملُ في يده بعضَ الأكياس، ساعدتُه وحملتُ بعضاً منها، أثناء سيرنا لاحَ في باليّ سؤالٌ طرحتُه عليه، راودني فضولٌ لمعرفةِ ما إن كانَ عربي، فقد كانت إجابتُها بــ"نـعـم" إجابةُ زادت من سعادتي أكثر من ذي قبل، وصلنا إلى منزلٍ مألوف، كان مألوفاً لدرجةٍ لا أستطيع تذكُر أين ومع من رأيتُه، لحظاتُ نسيانٍ داهمتني فـأنا لستُ من البشر سريعين الحفظ، حينَ إستقبلتنا تلك السيدةُ المُسنة برحابةٍ تذكرتُ كلَ شيء، وماهيةَ هذا المنزل،
منزلُ _ عابِرةَ النجوم _ كما أُسميها..
.

كنتُ سعيداً للغاية فقد نسيتُ أمرهُ تماماً حينَ إنشغلتُ وإزدادت ضغوطي، دخلتُ بإستحياءٍ شديد، أتبعُ سُهيل في خطواتِه حتى جلستُ وإياه على ذاتِ الأريكة، كانَ يتحدثُ معي بحرارةٍ وشوق وكأنني رفيقٌ قديم، كنتُ أبادلُه نفسَ الشعور وأسترسلُ في حديثي معه، يتحدثُ هوَ ووالِده غالباً ويسألونني عن الجامعة مستوى إبنهم فيها، أُجيبُهم على مُقدارِ السؤال ولا أزيدُ ولا أُنقصُ فيه، أعطِيهم كفايةً تُشبعُ فضولهم..
.

كنت أتبادلُ أطرافَ الحديث وكليّ أملٌ في أن ألقاها، أتت والِدتُه ومعها بعضُ الإستضافة الخفيفة وبدأت بدورها تُشارِكنا الحوارَ بِنهم، حُضِرَ العشاء، تناولتُه بخجلٍ بينهم، كانوا يضعونَ العديدَ والعديد من الأطعمةِ في طبقي حتى أحسستُ بالتُخمةِ وأنا أُلبي لهم طلبهم في تناوله..
.

كانَ باليَّ ينشغل في أمرِ تلكَ الفتاة، لم تُشاركُنا الطعام، ولم تظهر، رُبما كانت في نائمةً في غُرفتِها، إنتهينا من الطعام، حانَ وقتُ المغادرة، أتى سُهيل ليُصلني إلى الباب، كنتُ واقفاً كأبلةٍ مُحتار، سألتُه بعدَ ترددٍ طويل:.
.

- سُهيل هل تمتلكُ شقيقة صُغرى؟!
نظرَ إليَّ بتعجبٍ غريب..
تحدث قائلاً:
- لا أملكُ شقيقةً صُغرى! 
إستغرقتُ في أفكاري شارداً حينَ أجاب..
أفاقني سؤاله بعدَ فترة:
- ولكن... لمَ تسأل!؟
- أوه لا لشيء فقط هكذا أتاني فضول..
- أنا وحيدٌ والديّ، لم يُنجبا غيري..
- هذا غريب!!
تحدثتُ إلى نفسي بخفوتٍ شديد..
- حسناً إلى اللقاء، سُررتُ بالتحدثِ إليك وإلتقاء والِديّك، أُشكر لي والدتك مُجدداً على العشاء اللذيذ، ألقاكَ لاحِقا.. مع السلامة
- حسناً لكَ ذلك، رافقتكَ السلامة..

.

مضيتُ في طريقي والإستفهامُ يُغطيني، كنتُ في كلِ خطوةٍ أبتعدُ فيها عن منزلهم أصابُ بصُداعٍ التفكير، حيرةٌ لم تُماثِلها حيرة، عائدةٌ في طريقي مُحملٌ بالعديد من الأسئلةِ المفرغة، حلقاتٌ ودواماتٌ في رأسي لا تكفُ عن صُنعِ الدوار بي ...
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
_________________________________________
...يُتبع

| حينَ يختفي الشفق | { مُكتَمِلة } ✔Unde poveștirile trăiesc. Descoperă acum