مدثر المقدمه

39.4K 1K 137
                                    

#مدثر#المقدمه  حين تسير احلامنا عكس الاتجاه. ١٧من ديسمبر ٢٠١٦ تجاوزت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل بدقائق، تكاد شوارع القاهرة تخلو من المارة، البرد قارص جدا هذه الليلة، تتساقط دموعي مع الأمطار الخفيفة التي تقذفها السماء، فيختلط كلاهما على وجهي لا تستطيع التميز بين دمعة و قطرة مطر، وما أدراكم أنتم بدموع رجل لم يتعدى الأربعين من عمره. لا أعرف أين سأذهب، فلا مأوى لدي، وقد أغلِقت أبواب ومنافذ ومعابر العالم في وجهي، وقد كانت مفتوحة على مصراعيها من أربعة وعشرين ساعة فقط. أنا "مُدثِر الحُسَينِي" أيها السادة *الاونر* كما يلقبني الجميع،أنا الذي فاقت ثروته المليار جنيه. لا أحمل في جيبي اليوم جنيها واحد، اشعر باختناق يملأ صدري أريد أن اصرخ باكيا و أول كلماتي "ياااااارب.." أضع يدي على وجهي في انهيار تام، فلَم أعد أستطيعُ السيطرةَ على نفسي من شدة البكاء والأنين، أزيح يدي من على وجهي باحثا عن مكان أجلس فيه، لا أستطيع التحمل أكثر، لقد وجدته، وجدت ما أريد، أحد الأرصفة في شارع ضيق لا أعلم اسمه و من يكترث لأمره،أنا لا اعرف كيف أتيت إلى هذا المكان أصلا، أختبئ وراء السيارات المركونة وقد بدأ حقدي في التشكل نحوها، أحقد عليها لأنها وجدت من يحميها بغطاء من البرد والأمطار، اجلس معانقا ركبتاي وادفن رأسي بينهما.أتعلمون ما هو الشعور بالخذلان..؟، الخذلان هو شعوري  وقد تخلى عني الجميع لأني لم أعد أملك الأموال وبطاقات الائتمان التي لا حصر لها، هل هكذا يعامل الفقير، لا أعلم حقا أين أنت يا أمي لكي أشكو و أقول لها أنظري إلى حالي، أمي، نعم لما لا اذهب إليها ألان فهي الوحيدة التي لن تتخلي عني إني ذاهب إليها و سأنام بجوارها، لكن الطريقَ طويل جدا، ولَم أعد أقوى على السير من شدة الجوع والعطش، مع الأسف لا يوجد طريقة أخري، يجب أن أتحمل، قلبي وعقلي يتصارعان ولكن قلبي كالعادة سيطر وبمنتهى القوة.لم أكن أرتدي سوي بنطلوناً من -الجبردين- وقميصا قطنيا و چاكيت من الجلد الخفيف وحذاء رياضي جل ملابسي ماركة -بولو-، لا يوجد في جيبي سوي هاتفي الفاقد الوعي هو أيضا فقد نفذت بطاريته، ومحفظة مليئة -بالفيزا كارد- الغير صالحه للاستخدام كما هو الحال معي الآن، بالإضافة إلى بطاقة الهوية.لقد أخذت القرار بالذهاب إلى أمي وكان الطريق يحتاج ساعتين من السير علي قدمي. بعد أن تغلبت على تعبي وانكساري ها أنا أقترب، أراه إنه هو منزلها. لأفتح الباب وعندما رأيتها أخرجت الصرخات المكتومة من صدري بكل قوة "ماما انتي نايمه وسيباني انا تعبان اووي شوفتي اللي حصلي انا عمري ما عملت حاجه وحشه وربنا شاهد عليا حبيت كل الناس وعملتهم بما يرضي الله مكنتش مخلي حد محتاج حاجه لا كبير ولا صغير كنتي بتقوليلي اخواتك امانه بين ايديك انت الكبير وعملت كل حاجه قولتيلي عليها رابتهم وعلمتهم وجوزتهم وكل واحد فيهم حققتله احلامه ليه مش قولتلهم خالوا بالكم من اخوكم..."، كانت دموعي تسيل وتتغير مع تغير تعابير وجهي،ثم أسكت قليلا ناظرا إليها وأكمل حديثي" كل ده علشان قلبي طيب يحصل فيا كل ده لو يرًضيكي انا موافق طول عمري رضاكي عندي بالدنيا مبقاش ليا حد غيرك خلاص لا زوجه ولا اخوات ولا اصحاب بقولك يا ماما انا تعبان وبردان وجعان خديني جنبك طيب..."، أنظر حولي باحثا عن أي شيء لأنام بجوارها، لم أجد سوى بعض الكراتين أفترشها وأُلقي بنفسي بجانبها نائما في وضعية الجنين، ثم ارفع يدي وأتحسس برعشة قطعة من الرخام مكتوب عليها (يا أيتها النفس المطمأنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فدخولي في عبادي وادخلي جنتي) ١٩٥٥الي ٢٠٠٩ المغفور لها أمينه محمد عبد السلام. لقد بدأ ضوء النهار يلقي بأشعته على الغرفة، وكنت شبه فاقد الوعي لم أشعر بنفسي إلا عند سماعي صوتا ملائكي "عمو...عمو" أفتح عيني لأجد طفلة جميلة مبتسمة، ابتسم لها وقد مدت يدها إلي  ببعض الطعام، لأسألها "اي ده" تضحك وهي تضعه بجواري "ده رحمه ونور" ثم تجري كالبرق من أمامي كنت جائعا جدا ولكن رنة صوتها و كلماتها في أذني وأنا أضع الكعكة في فمي، يقول عقلي 'و هل مازالت هناك رحمة ونور عند البشر يا صغيرتي'بقلم محمد محسن حافظشكرخاص اخي وصديقي احمد شاوشمن المغرب/تصحيح لغوي

مُدثرWhere stories live. Discover now