الجزء الرابع والعشرون

8.8K 486 16
                                    

#مدثر# الجزء الرابع و العشرون

تجري الأيام وأنا مازلت انتظر نهاية هذا الكابوس، لن أنكر اني بدأت اتعب، ويزداد تعبي يوما بعد يوم، لكن وجود آدم وعائشة بجواري يعتبر كدعامة لكي أبقى صامدا، وخاصة بعد تعلق كل من الكبير و أمي سعاد بهم، و التي أصرت على تواجد فريده بجوارها حتى يحين موعد ولادتها، بعدما رأيت في عين سعاد حبا لم أكن أتوقعه.
فهي امرأة معطاء، و الكثير ضاع من عمرها، جراء خطأ ارتكبته في حق أخيها الأكبر، فأدركت بعد ذلك ان عليها ان تهب ما تبقى من عمرها و تدفع ثمن ما فعلت، فرفضت الزواج من الكثيرين وعاشت مع بكر، أما هشام و ايمان أخدت بتربيتهما كأولادها دون ان تلدهم.
كنت أراها تبكي في الآونة الأخيرة وعندما تراني تمسح دموعها، أدركت انها تحمل حزنا على فريده التي لازمت الفراش في الشهور الأخيرة، كانت دائما تنتظرني فريده بابتسامها المعهودة رغم ذبولها فترة بعد فترة.
وفِي احد المرات سمعتها تتحدث الى مريم التي كانت بجوارها، وبدون قصد ارتج جسدي لما سمعت وشعرت بضيق في صدري وانتابتني حالة من البكاء، بكاء الهستيري لشخص متأكد من وحدث محتوم الوقوع،  لقد كانت تلك وصيتها الى مريم و بقولها:
"حطي ابني في عينيكي يا مريم..، واوعي تزعليه... مش علشان ابن اختك لاء، علشان ده ابن مدثر اللي حبناه، خدي بالك منه وهاتيلوا اخ او اخت واوعي تفرقي بينهم ابدا، مش هما بس وكمان ولادو ادم وعائشه...، عارفه انه هيبقي حمل كبير عليكي انك تتجوزي مدثر ومعاكي تلات اطفال...، بس انتي أدها اوعديني يا مريم انك هتخلي بالك منهم كلهم".
انفجرت مريم بصرخة لم تستطع كتمانها كما فعلت، فقالت:
"اسكتي بقى اسكتي متكمليش حرام عليكي"، أخذت تبكي بقوة، كان شهيقها و زفيرها يسمعان في دلالة على صعوبة تنفسها، وبنفس الصعوبة تكمل :
"انتي عارفه يا فريده انك بتموتيني عارفه معناه ايه اللي بتطلبيه مني ، اربي ابن اختي واتجوز جوزها كمان مش هقدر مفيش واحده تستحمل كده انا بحبك يا فريده وان شاء الله هتعيشي وتفرحي بيهم"،
كانت فريده هادئة على غير العادة،تسيل دموعها  في صمت و ببطيء علي خدها ثم قالت وهي تحضن مريم بقوة :
"هتقدري نفس الموقف حصل مع مدثر لم أتولد وخالته امينه هي اللي رابيته واتجوزت ابوه عاوزه ابني يطلع كده طيب وحنين وقلبه كبير".
انتهت كلماتها وانا اجلس خلف الباب في ضعف و قلب مكسور. 
*************************

"كل حاجه راحت يا مروه ومعدش حيلتنا غير القرشين اللي في البنك"
قالتها هايدي وهي تبكي ناظرة الى مروه التي لم تستوعب الصدمة، فلزمت فراشها في سكون لا تتكلم، لتعود هايدي للحديث من الجديد ثم تقول "ردي عليا عرفيني انه حلم وهنصحي منه نلاقي المستشفي رجعت"، تضحك وتبكي في نفس الوقت، تنظر لها مروه وقد تجمدت ملامحها لتقول "كفايه مش عاوزه اسمع ولا كلمه تانيه انا فيا اللي مكفيني يا هايدي".
يرن هاتف هايدي لتجد رقما غير مألوف، ترد وهي تنظر الي مروه قائلة:
"ايوه مين معايا" يجيب الطرف الاخر قائلا:
"انا مدير شركة الأدوية اللي اختك اتفقت معايا انها تديني الشحنه واخدت مني شيك باتنين مليون دولار ودلوقتي قافلة تليفونها ومش بترد عليه عرفيها اني هستني كمان تمانيه واربعين ساعه يا تجيب الفلوس وفوقيها الشرط الجزائي يأما هقدم الورق للنيابه ومن غير سلام".
يغلق الخط ويسقط التليفون من يد هايدي وهي تبكي وتقول "أخر حاجه كنت أتوقعها انك تخونيني يا مروه انتي من النهارده لا انتي اختي ولا اعرفك"، تنهض مروه مسرعة خلف هايدي وتمسكها من ذراعها وتقول "هايدي انتي مش فاهمه حاجه اقعدي وانا هشرحلك انا مش خونتك والله وكنت هقولك بس ده كان طلبهم"، تصرخ هايدي في وجهها وتقول "كفايه كدب بقي كفايه انا مش مصدقاكي"، تقول مروه باكية "هتسبيني اتسجن يا هايدي ده احنا مفرقناش بعض من ساعه لما اتولدنا"، تبتسم هايدي رغما عنها وتقول:
"دي جزاه الخاين يا مروه زي ما كان جزاتنا ان احنا اترمينا في الشارع لما ظلمنا اخونا الكبير".
*************************
وكاله الكبير

يجلس الحج عبد الحميد الراوي وفِي يده الشيشة ويستمع الى الست وهي تقول:
"وعاوزنا نرجع زي زمان قول الزمان ارجع يا زمان وهاتلي قلب لا داب ولا حب ولا انجرح ولا شاف حرمان..."،
يتداخل صوت مع اللحن قائلا:
"تفيد بأيه يا ندم وتعمل ايه يا عتاب"،
ينظر الكبير ليجد عمر اخو مدثر وهو يسحب كرسي ويجلس بجواره دون استئذان ثم يقول "والله يا كبير انت صعبان عليا اووي فاكر مدثر ده ملاك بجناحين وقاعد تطبطب عليه وبتعامله زي ابنك وهو بيضحك عليك"، ينظر الكبير في ضيق  ويقول "اسمع يا عمر بيه الكلام مفيش اسهل منه لكن زي ما بتقولوا في المحكمه البينه علي من ادعي"، يبتسم عمر ويقول "بينه واحده..؟ اسمع يا حج عبد الحميد انا جايبلك بدل الدليل اتنين وتلاته وانت تحكم بنفسك ايه رائيك"، يقول الكبير "كلام جميل اتكلم وانا احكم بنفسي"، يعتدل عمر ويضع قدم على الاخرى غير مبالي باحترام من أمامه ويقول "تعرف ان ياسر طه اللي انت معاديه ده علشان خاطر مدثر هو نفسه اللي مصاحب مدثر في السر وبيساعده والاتنين بيضحكوا عليك ولو عاوز البينه على دي يبقي وليد ابن الشيخ حسن يقولك عليها، ثانيا مدثر اللي خسر فلوسه في الهلس ًومعايا فيديو من كاميرات المراقبه وهو بيشرب خمره وبيلعب قمار ولما خسر قعد يعيط لحد لما صدقتوا كفايه انه خان ماركو ولي نعمته في ايطاليا واشتغل مع شركات تانيه وخسره مبلغ كبير علشان كده ماركو انتقم منه وحاربه وساعد عاصم، يعني متعود يعض الايد اللي اتمدتله، هتقول احنا حاربناه هقولك اه علشان شوفناه على حقيقته وكل اللي عمله علشانه ده مجرد ستاره مستخبي وراها شيطان خالي بالك منه يا كبير ده غدار.."، يضع عمر ظرفا مغلقا امام الكبير وينصرف. تاركا الشك و عشرات الأسئلة تتضارب في مخ عبد الحميد الرواي ليقول بصوت منخفض:
"والله لو الكلام ده صح ما هيكفيني موتك يا مدثر"
يسحب هاتفه ويتحدث الى طارق يطلب منه الحضور ومن بعده هشام بكر.
**************************
فؤاد من داخل المستشفي

مُدثرWhere stories live. Discover now