(٢)

2K 70 7
                                    


دلفت الممرضة دلال لتستدعيه....
لكنه كان يغط بنومٍ عميق بعدما أرهقته مناوبة الليلة الماضية فحالات الإسعاف لم تهدأ، ارتأى أن يحظى ببضع ساعاتٍ من النوم لأن إليسا ستعاود عملها في المستشفى هذا الصباح يريد أن يكون صاحياً وواعياً عند مجيئها، وكم اشتاق لصاحبة العيون اللوزية بعد غيابها لعامٍ كاملٍ عنه، أو هروبها من زوجها الذي ظهر بحياتها مجدداً دون سابق إنذار !

أبطأت دلال الخطى تتأمل هشام وهو ينام على ظهره مسنداً ساعده على جبهته والإرهاق بادياً على سحنته، وتاهت في تفاصيل هذا الشاب الذي بأوائل الثلاثين من عمره، و الذي سلب عقلها وقلبها، سنة وراء أخرى وهذه هي حكايتها مذ رأته، أحبته ببساطته والتزامه الأخلاق، بحة صوته الرجولي الأجش، شعره الذهبي القاتم كالذهب المعتق الذي استلب من سنابل الأرض لونها الداكن حين انحسار الشمس عنها وقت الغروب، ذقنه الخفيفة التي تزيده رونقاً وجاذبية، وعينيه اللتان تتحولان ما بين أخضرٍ وعسليٍ قاتم ! ولا تفهم كيف تتحولان ببساطةٍ عندما يبدل قمصانه.

تأملت مئزره الطبي الأبيض الذي انسدل جانبه لأسفل سرير المعاينة، كنزته الخضراء الداكنة التي ظهرت من أسفل المئزر المفتوح .. وكأن المستشفى قد فاز بالجائزة الذهبية الكبرى حينما وظفه ! اقتربت منه بخطى بطيئة وهي تكافح لجعل نبرة صوتها متزنة ونادته : - دكتور هشام "

لم يبد استجابةً لصوتها الخافت فنظفت حلقها لتناديه بصوتٍ أعلى : دكتور هشام"
تنبه أخيراً لصوتها فأزاح ساعده عن جبهته لتبان لها عينيه المحمرتين إثر إرهاقه مما زادهما لمعاناً وغموضاً وكأنهما نافذتان لبساتين من أوراق العنب أوائل الخريف، ضيق ما بين حاجبيه جراء النور الساطع للإضاءة واعتدل بجلسته وهو يمسح وجهه قائلاً :
- حالة إسعاف !؟ "
لتهز دلال رأسها نافيةً تردف بلعثمة وهي تحدق فيه بخجل :
-بل .. بل دكتورة إليسا حضرت منذ قليل و تسأل عنك "
نهض من فوره بنشاطٍ لتلاحظ دلال زهو عينيه والتماعهما لتبتلع غصة ألمٍ وهو يباغتها بالسؤال : -أين هي الآن ؟

أطرقت رأسها إلى الأرض تحاول كبح دموع الخذلان وقبل أن تجيب دلفت إليسا بابتسامةٍ واسعةٍ ليجتاز هشام الممرضة دلال متجهاً ناحيتها وهو يفرد ذراعيه قائلاً :

- أهلاً بمساعدتي النشيطة، كان عاماً طويلاً بدونك! تعالي ستحكي كل كل ما فعلتِه هناك " ابتسمت إليسا ببشاشة موافقةً وصافحته ليشد على كفها
وهو ينظر بعمق داخل عينيها :
- كان عاماً طويلاً فعلاً....
لتخفي دلال دمعة ألمٍ عنهما وتغادر دون حتى أن يتنبه لها هشام أو يكيل لها أي نظرة ....
توجهت ناحية الحمام وأغلقت الباب خلفها بعنف لتستند على طرف الحوض وتتأمل تفاصيل وجهها وتدمع عيناها بألم، لما يفضلها عني ؟ ما الذي ينقصني كيلا يعيرني أي اهتمام ! " تساءلت بقهر وهي تمسح دموعها التي تروي وجنتيها بصمت فتحت الصنبور لتشطف وجهها مخفيةً آثار الدموع والكحل الذي لوث محيط عينيها..

لحن الحب ((جنوني بعينيك انتحار 2 ))Where stories live. Discover now