(١١)

1.1K 66 11
                                    


تمطت عسل قليلاً أمام بوابة مدرستها قبل أن تتجه على مضض ناحية فهد الذي يتكئ على سيارة رضوان بانتظار أن يوصلها إلى المنزل، يضع نظارته الشمسية ويقف تحت أشعة الشمس التي تلتهب فوق رأسه، انزل قدمه حينما تقدمت وتوقف راسماً ابتسامةً عريضة تظهر غمازتيه الغائرتين قائلاً وقد أيقن بأنها لن تتكلم :
صباحُ العسل "
توقفت أمامه ببلاهة قبل أن تهتف بغضب : -أتغازلني يا محترم ومن ثاني يومٍ فقط لعملك عندنا ! واللهِ لأشكوك لأخي"
أخرجت الهاتف لتتصل لكنه سحبه من بين يديها بخفة مجيباً: لا بد وأنك فهمتني بالخطأ...آنسة عسل" أقصد صباح الخير.... أنسة عسل، سقطت كلمتان سهواً"
- وأل التعريف التي بدئتها على اسمي ؟

قطبت حاجبيها تتساءل لترتسم ابتسامةٌ هادئة على شفاهه مجيباً: أل التعريف جاءت من حيثُ لا أدري...تحدث مثل هذه الأمورأحياناً "
نفخت بعصبية وفتحت باب السيارة ورمت الحقيبة لتجلس بعدها على المقعد الأمامي وهي تهتف به : انطلق وكف عن الثرثرة "
أدى لها تحيةً مرحةً بيده واستقل مقعده مشغلاً السيارة فرفعت صوت المسجل على أغنيةٍ صاخبةٍ ذات إيقاعٍ تدندن معها متجاهلةً فهد الذي يدرس حركاتها جيداً، مد يده بتلقائيةٍ وأطفئ المسجل وبدل الموسيقى لأخرى هادئةً لتقطب حاجبيها : -من سمح لك بتبديلها؟
رفع كتفيه قائلاً ببرود: الموسيقى هي التجسيد الملموس للجمال المسموع يا عسل، ودونها سيغدو الإنسان كائناً، جافاً، مُتصحراً، خاوياً، عيناً دون دمعها، وجسداً دون روحه... أنتِ بهذا الوقت وبعد ساعات دوامك تحتاجين ما يهدئ روحك,
، تحتاجين ما يسمو بك نحو السكون والراحة لأعصابك لا ما يزيد توترها "
فتحت فاهها بغباء بنتٍ في الخمسة عشر عاماً يحدثونها عن المفاعل النووي ! ابتسم لها ابتسامةً غارت على أثرها غمازتيه وأردف بهدوء ..الموسيقى الصاخبة لها وقتها صدقيني.
زمت شفاهها وقد أغراها حديثه حقاً عن الموسيقى وبعد محاولاتٍ جاهدةٍ من المقاومة استدارت مجدداً ناحيته وسألت: ومتى وقتها يا ترى؟
خلع نظارته بعدما دلفت السيارة بداخلِ نفقٍ بعد أن سلك طريقاً أطول ليكسب زيادةً في الوقت، وأجاب دون أن يتطلع ناحيتها: عندما تشعرين بالتوتر مثلاً... بالغضب، عندما تشعرين بأنك تريدين تفريغ شحنةٍ سلبية ضعي أغنيةً صاخبة...سيتناغم جسدك معها، سيفرغ غضبك من خلال الحركات اللاإرادية التي تقومين بها، كالطرق بأصابعك، هز قدميك وأنت جالسة، لربما الرقص كذلك...
تطلع فيها يحاول استشفاف تأثير كلماته فكانت نظرة الغباء ما تزال تطل من حدقتيها البنيتان : فهمتِ "

تساءل بابتسامةٍ هادئة لتتنبه على شرودها بعينيه السوداوين الرائعتين وتقول باندفاع : -طبعاً....فهمت هل تظنني غبية؟
هز رأسه نافياً واجاب : لستِ غبيةً حتماً"
-حسناً إذن أنا الآن كما أخبرتني...متوترة وأحتاج لموسيقى صاخبة" لاحت ابتسامةٌ هادئةٌ على محياه قائلاً : أنت الآن مرهقة, وهنالك فرقٌ كبير بين الإرهاقِ والتوتر و الغضب، فرقي بين المشاعر التي تنتابكِ لتستطيعي اختيار الموسيقى التي تناسب حالتكِ المزاجية "
ضحكت باستهزاء متسائلة: أنت سائقٌ أم خبير صوتيات ؟
- لستُ خبير صوتيات، أتكلم عن تجربتي الشخصية، اسمعي الآن...لنجرب هذه التجربة ما رأيك؟
- وما هي ؟ تساءلت بعدم فهمٍ ليعرج نحو شارعٍ جانبي حيث خفتت ضوضاء السيارات حتى صارت شبه معدومة...أوقف السيارة وقال بهدوء : الآن أغمضي عينيكِ وأرجعي رأسكِ للوراء واستمعي إلى هذه المعزوفة اتفقنا "

لحن الحب ((جنوني بعينيك انتحار 2 ))حيث تعيش القصص. اكتشف الآن