(١٥)

1.1K 65 4
                                    

 ((الذكريات الجمَيلة أصبحَت تأتِي على هَيئةِ وجع. ذكرياتنا، ماضينا، أشخاص مروا بحياتنا وأصبحوا ذكرى، وأشخاص يشدون الرحال إلى عالم من البعد والاشتياق، وبين النسيان والذكرى. رحلوا ولم يتركوا لنا سوى بقايا ماضي، عطر لا ينسى، صوت نتمناه، حضن نفتقده، حب يكبر ويقتل، صور صامتة، شوق لا يبرد، دموع لا تجف، ألم لا ينتهي، منزل خالٍ مليء بالذكريات، وثياب معلقة تقتلنا بين الحين والآخر))

((منقول))

***********

لم تكن المشكلةُ بأنها كانت تحبه بل بذلك الشرخُ الكبيرُ الذي تركه داخل صدرها قبل تلاشيه من حياتها، ذكرياتُ حبها الأول، همسةُ العشق الأولى، القبلةُ الأولى، ذلك الاحتواء الذي شعرت به بين يديه فيما مضى، أن يكون صادقاً محباً، مُخلصاً .... وبلحظةٍ تكتشفُ أن تلك الذكريات واللحظات التي جمعتهما سوياً لم تكن سوى كذبة! كان هو ذلك القمر الذي أنار حياتها، محور الكون بالنسبةِ لفتاةٍ تبرعمت مشاعرها على حبٍ ظنته سيتخلدُ  للأبد، لكن( كونه) هو وفضاءه ....كان يتسعُ لها ولأقمارٍ كثيرة ! 
ربما شفيت اليسا من حب مراد بعد سنوات اعتمدت فيها على نفسها وعلى كيفية التأقلم مع حياتها الجديدة التي لم تكن لتحظى بها لولا طلاقها منه لكن تلك الندبة لن تزول آثارها بسهولة وخاصةً بعد عودته من جديد،  وكأنه قام بنبشِ التراب المتراكم فوق قبر ذكرياتهما سوياً  فأخرجَ جثمان الماضي إلى السطح لينهشَ فيه أكثر..

التقاها مصادفةً مساء اليوم، وكأن الزمن بهذه اللحظة قد توقف بينهما عندما قابلته وجهاً لوجه بإحدى مطاعم المعجنات التي اعتاد أن يصحبها إليها فيما مضى، كانت جالسةً تلتهم البيتزا التي قامت بطلبها بعدما شعرت بالجوع وهي تتسوق... أما هو فخطى للداخل يحدوه الشوق لتناول فطير الجبن الذي يشتهر به هذا المكان رغم بساطته إلا أن الطعامُ فيه له نكهةٌ خاصة..وربما ذكرياتهما فيه كان لها تلك النكهةُ الخاصة، توقف ينظر لها بابتسامةٍ هادئة في حين رفعت نظرها لتفاجئ به وقد تلوث محيطُ شفاهها بالكاتشب، ضحك بهدوءٍ فتنبهت ومسحت فمها بالمنديل بحرج  ورمته على الطاولة فتقدمَ منها بهدوءٍ قائلاً: 
-بالهناء والعافية.
اشاحت بنظراتها عنه وحاولت أن تمسك الشوكة فقال بتردد: هل...بإمكاني الجلوسُ برفقتك فالمكان مزدحم ولا يوجد طاولة فارغة.
رفعت حاجبيها وهي تحرك عينيها بذلك المطعم الشبه فارغ فحك أرنبة انفه وسحب كرسيه وجلس، كانت أغنية خوليو أكليسياس ( أنا لم أتغير ) تنبعثُ بصوتٍ هادئ مما جعلهما يصمتان وينصتان إليها..قال بعدما تناست وجوده أمامها وأكملت التهام البيتزا:
-  فعلاً تغيرتِ كثيراً اليسا لكن عيناكِ ما تزالان دافئتين جداً مهما حوطهما الكحل وأخفى حقيقتهما التبرج الذي تضعينه.
تطلعت فيه مجدداً وقالت بهدوء: لكنك لم تتغير مراد... لم تتغير أبداً.
أبعدت الطبق ومسحت فمها بالمنديل فقال بهدوء وهو يعقد يديه تحت ذقنه:
-أعرف النهايات لا يشترط أن تكون سعيدة..لكن البداية الجديدة يجب أن تكون صحيحة ألا تدركين أني تغيرت كثيراً بل وخسرت كثيراً جداً" قالها بصوتٍ متماسك وهو يحدق بها  بعيني آثمٍ يطلب الغفران.
حدجته بنظرة استنكار وقالت محاولةً السيطرة على أعصابها المشدودة :الزمن، توقف عندي من اللحظة التي وأدت فيها حبي تجاهك، لذلك لن ألتمس التغير حتى ولو طرأ على شخصيتك أنا أراكَ بعيونِ الماضي فقط"
القت النقود على الطاولة ونهضت لتهرب من أمامه فهرول تجاهها مسرعاً وصدع صوته عندما وصلا لباب المطعم:
-أعرف أن الجرح الذي سببته لكِ مؤلمٌ جداً ولن تشفي منه بسهولة لكن...

لحن الحب ((جنوني بعينيك انتحار 2 ))Where stories live. Discover now