الفصل التاسع

211 57 29
                                    

رفعَ السيد الشاب يده ملوّحاً بالكيس الشفاف الذي كان يحمله أمامنا، كان بداخله هاتفٌ محمول ملوّثاً بالوحل بالكامل فلا عجب بأنني لم أستطع معرفة ما هو قبل لحظات، أكمل المساعد حديثه قائلاً:
-لقد تركَ الجاني هذا الهاتف خلفهُ، سيدي.

وضع السيد ميلاد يده على ذقنه من جديد وراح يفكر بعمق متأمّلاً الهاتف الموجود أمامه، ثمَّ قال:
-هذا غريب! يبدو وكأنّه تعمّد إلقائه خلفه كما لو أنّه يريد منا إيجاده.

صمتَ السيد ميلاد قليلاً ثمّ قال بحزمٍ مخاطباً مساعده:
-حسناً، لا أظن بأننا سنستطيع إيجاد أيّة بصماتٍ عليه فقد أغرقه الوحل تماماً ولكن أريدك أن تعرف لمن يعود هذا الهاتف وباسم من سجلت البطاقة الهاتفية وكلّ تفاصيل المكالمات الواردة والصادرة فيه.

أخرج السيد ميلاد هاتف السيد مارتي من جيبه وسلّمه للمساعد الشاب ثمَّ أكمل حديثه:
-ولتقم بالتحقيق حول الرقم الذي استدعانا إلى هنا؛ فسواءٌ كان المجرم أم الشخص الذي كان السبب بنجاة السيدة إيامي كلاهما مشبوهان.

أجاب المساعد الشاب بصوتٍ عالٍ ولكن باحترامٍ شديد:
-حسناً، سيدي.

بعدها توجّه إلى إحدى سيارات الشرطة حاملاً بيده كلا الهاتفين.

بقيتُ أنا برفقة السيد ميلاد وتلك الشرطية فلتفتَ إليّ السيد ميلاد قائلاً:
-حسناً إذاً، سيدة إيامي، هل استطعتِ رؤية وجه الجاني؟
-كلا، ولكن أستطيع أن أصفَ لكَ ما رأيت بالضبط.

استدار السيد ميلاد إلى الشرطية الواقفة بجانبه قائلاً:
-سيدة تارا؟

فتحت السيدة تارا دفتر الملاحظات الكبير الذي كانت تحمله بسرعة وسحبت قلمها من جيب قميصها بشكلٍ أوتوماتيكيّ كما لو أنّها رجلٌ آليّ تنظر إليّ منتظرةً مني أن أبدأ الوصف لتكتب كلَّ حرفٍ سأقوله.

التفتَ إليّ السيد ميلاد من جديد قائلاً:
-حسناً، سيدة إيامي، هلّا بدأتِ؟
-لقد كان طويلاً، ضخم الجثة، عريض الكتفين، مفتول العضلات وذو بشرةٍ بيضاء ناصعة كالثلج وشعرٍ أسود قاتمٍ كالفحم..

سكتُ قليلاً ثمّ همست:
-..لقد كان يشبه..

شعرتُ كما لو أنّ صاعقةً كهربائية أصابتني، كما لو أنّ يداً قبضت على قلبي، ضاعت الكلمات مني ووقفتُ هناك بتعابير وجهيَ المصدومة، تلاشى العالم من حولي فلم أعد أرى شيئاً، لا شيء سوى طيفُ ذاك الشخص أمامي وهو يقفُ تحت ضوء القمر الفضيّ بثيابه السوداء تلك.

'كيف لم ألحظَ ذلكَ من قبل؟..'

تمايل جسدي فاستندتُ على سيارة الإسعاف خلفي، أخفضتُ رأسي أنظر إلى الأرض الإسمنتية تحتي.

'كيف لم أدرك الأمر مسبقاً؟..ذاك الشخص..كلُّ ما به..مواصفاته كلُّها..تشبهُ تماماً...'

أيقظني من أفكاري السيد ميلاد، رفعتُ رأسي أنظرُ إليه، كان واضعاً يده على كتفي، ينظر إليّ بملامحٍ قلقة، قائلاً:
-هل أنتِ على ما يرام، سيدة إيامي؟

أجبته بصوتٍ متقطّعٍ وشفتاي ترتجفان:
-ذ..ذاك الشخص..الجا..ني..إنّه...

قاطعت السيدة تارا كلامي بنبرةٍ باردةٍ حادة:
-يشبه من؟

نظرتُ إليها بخوف بينما كررت سؤالها بالنبرةِ ذاتها:
-ذاك الشخص، الجاني، من يشبه بالضبط؟

كانت عيناها تنظران إليّ بكلّ احتقار، هي لم تحاول أن تخفي ذلك حتى.

شعرتُ كما لو أنَّ ماءً بارداً قد سُكِب َعليّ، تجرّدتُ من خوفي تماماً ثمّ وقفتُ بحزمٍ وقوّة، عادت ملامح وجهي المذعورة إلى طبيعتها كما لو أنني ارتديتُ قناعاً ثمّ أجبتها بنبرةٍ خاليةٍ من أيّ مشاعر:
-لا أحد.

دُهِشَ كلّاً من السيد ميلاد والسيدة تارا بهذا التحوّل لكنني كررت إجابتي:
-لا أحد، إنَّ الجاني لا يشبه أيُّ أحدٍ أعرفه.

أحكم السيد ميلاد قبضته على كتفي قائلاً بنبرةٍ قلقة:
-هل أنتِ متأكدة، سيدة إيامي؟

بينما تدخلت السيدة تارا بنبرتها القاسية تلك، تنظر إليّ بعينين مليئتين بالريبةِ والكره:
-أنتِ..لا تحاولين إخفاء أيّ معلوماتٍ عنا، أليس كذلك؟ أنتِ تعلمين أنّ هذا يعدّ جريمة؛ فبفعلكِ هذا أنتِ تعيقين عملية التحقيق وهذا قد يؤدّي..

قاطعها السيد ميلاد غاضباً:
-هذا يكفي، تارا!

أبعد قبضة يده القوية من على كتفي قائلاً بهدوء:
-أنتِ متأكدة مما تقولين، أليس كذلك، سيدة إيامي؟

لم تتغير ملامح وجهي بتاتاً، ولم أبدي أيّة ردة فعل بل أجبته بكلّ ثقة:
-أجل، أنا على يقينٍ مما أقول.

تنهّد السيد ميلاد، نظر إلى السيدة تارا ثمَّ أومأَ برأسه؛ فأغلقت السيدة الدفتر وأعادت القلم إلى جيبها.

التفت إليّ السيد ميلاد مجدداً مخاطباً إيايّ بلطف:
-حسناً إذاً، سوف أتواصل معكِ لإخباركِ فيما إذا قد توصّلنا لشيءٍ جديد.

مدَّ يده إليّ ليساعدني بالمشي إذ كان صعبٌ عليّ أن أسير لوحدي بسبب قدمي المصابة ثمَّ قال:
-هيا بنا، سيدة إيامي، سأقوم بإيصالك إلى المنزل بنفسي.

مددتُ بدوري يدي إليه مستندةً على ذراعه لنتوجّه إلى سيارته معاً بينما بقيت السيدة تارا بمكانها دون أن تنزع ناظريّها عني وبداخلي صوتٌ يصرخ بذعر:
'ما الذي..اقترفتهُ..للتوّ..بحق الجحيم؟!..'

...................

جعلتُ الفصل طويلاً وفقاً لطلب بعض القراء فأرجو أن ينال الفصل إعجابكم 😁😄

رأيكم يهمني ❤️

تصويت أو تعليق  🌹 يعني لي الكثير..🥰

دعمكم لي هو حافزي لآكمال هذه الرواية 😍

وشكراً لكلّ من دعمني إلى الآن 😚💚

*سيتم تنزيل الفصل العاشر الأحد القادم*

الوريثة الوحيدةWhere stories live. Discover now