الفصل الخامس عشر

393 45 71
                                    

مضى يومان منذ غادر الجميع، كنتُ أقضي نهاري بأكمله إمّا على الأريكة أتأمّل اللّاشيء، أو في المطبخ أحاول أن أعدَّ كوباً من القهوةِ ذي مذاقٍ مشابهٍ للّذي يعدّه السيد وارم، وبالطبع، لقد باءت محاولاتي جميعها بالفشل.

كثيرٌ من الوقت كنتُ أقف في منتصف ذاك الممر الطويل متسائلةً:
'هل كان منزلي كبيراً لهذه الدرجة من قبل؟ أم أنّني لاحظتُ هذا لتوّي؟'

تلقّيت العديد من المكالمات من صديقاتي اللّواتي اعتدّتُ أن أخرجَ معهنَّ ولكنني تجاهلتهم جميعاً فلعيش في رفاهيةٍ لم يعد خياراً متاحاً بالنسبة إليّ، وكما هو متوقّع لم تقلق أيُّ واحدةٍ منهن حول ما جرى لي أو تسائلت حتى عن عدم إجابتي لمكالماتهن، بل أخذوا يتحدّثون عني بالسوء على مجموعة المحادثة المشتركة متّهمين إيايّ بالغرور والتكبر متعمّدين ذلك لأرى رسائلهم الجارحة تلك، ولكن لم يزعجني ذلك بتاتاً؛ فهن لم يكن صديقاتٍ حقيقيّاتُ قط بل مجرد رفقةٍ أتسكّع معهن في وقت فراغي فحسب.

ما أن يحلَّ المساء كنتُ أعود إلى غرفة نومي وأنا أجرّ قدماي جرّاً، ارتمي بين أحضان سريري وأنا أعتصر وسادتي بين ذراعيّ أدعو الله أن استيقظ غداً؛ فأجد أنَّ كلّ ما حدث ليس سوى حلمُ طويلٍ مزعج، ولكنني أستيقظ في الصباح التالي لأدرك بأنَّ ذلك لم يكن حلماً، لم يكن كابوساً رغم قبحه، بل كان واقعاً مريراً، واقعاً عليَّ مواجهته إلّا أنني أتهرّب فحسب من دون أدنى فكرة عمّا عليَّ فعله.

في اليوم الثالث، تعافت قدمي تماماً فأصبحت أستطيع أن أتحرّك بحريّة لذا قررت أن أخرج من المنزل وأتمشّى في حديقة منزلي قليلاً ولكن انتهى بي المطاف بالجلوس على عتبة المنزل فحسب إذ كانت الحديقة بحالةُ مزرية فلم يعتني بها أحد خلال هاذين اليومين وزاد من الأمر سوء أنّ الرياح القويّة قد حطّمت بعض الأغصان وتساقطت الكثير من الأوراق متبعثرةً على العشب الأخضر بينما غطّى الوحل الطريق الحجريّ بالكامل بسبب الأمطار الغزيرة.

ولكن ولحسن الحظ لقد كان الطقش جميلاً في ذاك اليوم إذ تخلَّلت أشعة الشمس أغصان الأشجار حولي فبدت كخيوط من الذهب المتساقطة من السماء وهبَّت نسماتُ هواءٍ عليلةٍ منعشةٍ ليست بباردة.

منحني ذلك شعوراً جميلاً ونسيتُ لوهلة كلّ تلك الأحداث السيئة الّتي جرت مؤخراً.

أغمضت عينايّ أستمتع بأشعة الشمس الدّافئة مصغيةً إلى زقزقة العصافير؛ فعادت بي ذاكرتي إلى تلك الأيام الجميلة...

كنتُ أقف في وسط حقلِ الزهور ذاك، كان حقلاً كبيراً تغطّيه مختلف أنواع الزهور متباينةِ الألوان وكأنَّ قوس قزحٍ قد لوّن الأرض من حولي.

كنتُ صغيرةً آنذاك لم أبلغ الحادي عشر من عمري بعد، أقفُ في منتصف الحقل والزهور تتراقص من حولي، أرتدي فستاناً حريرياً أبيضاً زخرفت أطرافه بزهورٍ صغيرةٍ ورُبِط حول خصري قطعةً حريريةً زهريّة اللّون، وأضع على رأسي قبعةً من القش زيّنت بوردتان كبيرتان أحدهما ذو لونٍ زهريٍ فاتحٍ والأخرى بيضاء اللّون.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 15, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

الوريثة الوحيدةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن