الفصل الثاني عشر

178 44 36
                                    

لم يمضِ سوى ثوانٍ قليلة وإذ بالباب قد فُتِح ليستقبلني السيد وارم بملامح قلقة للغاية وقد وقف خلفه خدمي جميعاً ينتظرون وصولي إلى المنزل بفارغ الصبر.

ذُعِرَ السيد وارم ما أن رأى رأسي المضمّد وقدمي المصابة فهرع إليّ ليساعدني بالدخول:
-يا إلهي! ما الّذي جرى، سيدة إيامي؟

كان السيد وارم كبير الخدم والمسؤول عنهم جميعاً، لقد كان يقارب السيد مارتي بالعمر أو ربما أكبر منه ببضع سنوات.

ساعدني السيد وارم بالدخول فاتّكئت على ذراعه، بينما تناولت خادمتي الشابة مايا حاجياتي من يدي وأخذت السيدة ليزا معطفي المتّسخ ثمَّ توجهتُ إلى الأريكة الموجودة بجانب الغرفة.

كانت الغرفة واسعة على يمينها يوجد أريكةٌ جلديّة تقابلها أريكةٌ أخرى وبينهما طاولةٌ صغيرة وعلى جانبيّ الطاولة بعض المقاعد الجلديّة الواسعة، أمّا على يسار الغرفة فتقبع مائدة طعامً ضخمة حولها عدّة كراسٍ خشبيّة، وخلف مائدة الطعام تماماً يوجد مطبخٌ واسع وبجانبه ممرٌ ضيّق يؤدي إلى غرفة نومي وعلى طول الممر توجد غرف نومٍ عديدة حيث يتشارك بعض الخدم غرفةٍ واحدة وآخرون لهم غرفهم المنفصلة.

ما إن جلستُ على الأريكة تجمّع خدمي حولي جميعاً فرحتُ أقصُّ عليهم ما حدث معي بالتفصيل إذ كنتُ أثق بهم تماماً وعلى يقينٍ بأنّهم لن يخبروا أحداً بالأمر، تحدّثتُ بمهلٍ وأنا أشاهد تعابير وجوههم تتحوّل من قلقٍ إلى دهشةٍ فرعب، وكم كان صعباً عليّ إخبارهم بأنني لن أستطيع أن أدفع لهم راتب الشهر القادم وأنّ عليهم إيجاد منزلٍ آخر يخدمونه من الغد؛ إذ كان اليوم هو اليوم الآخير من الشهر.

'يا إلهي، وكأنّه تعمّد أن يستولي على الشركة بهذا اليوم تحديداً'

أصرّت السيدة ليزا على خدمتي بالمجان وأومأَ الباقي برؤوسهم موافقينها الرأي ولكنني كنتُ أدرك تماماً أنّ هذا مستحيل فلسيدة ليزا هي أرملة تملك عائلةً من خمس أفرادٍ تحتاج أن تُعيلها وباقي الخدم يتامى بحاجةٍ ماسّة للمال؛ فرفضتُ ذلك فوراً رغم إلحاحهم الشديد، شكرتهم على خدمتهم المخلصة لي خلال الثلاث السنوات الماضية ثمّ توجهوا إلى غرفهم بوجوهٍ حزينة للنوم فقد تأخّر الوقت بالفعل بينما ذهبت مايا لتحضّر لي حماماً ساخناً، أمّا السيد وارم فكان يجلسُ على الأريكة الأخرى شارد الذهن بملامحٍ مذعورة.

رفع السيد وارم ناظريّه إليّ هامساً:
-سيدة إيامي، أنتِ حقاً لم ترِ وجه المجرم، أليس كذلك؟

طأطأتُ رأسي، أشبكتُ أصابع يديّ معاً ثمّ أجبته بحزنٍ:
-لقد..كان يشبهه، سيد وارم، لقد كان يشبهه كثيراً..

قام السيد وارم من مكانه ثمَّ جلس بجانبي قائلاً بنبرةُ حنونة:
-لكنّك تدركين تماماً بأنّه ليس هو..أليس كذلك؟

رفعتُ رأسي أنظر إليه بدهشة وكأنّه قد قرأ أفكاري، ابتسم السيد وارم قائلاً:
-رغم كلِّ ما قام به؛ فهو ليس شخصاً سيئاً لهذه الدرجة ولن يقوم بفعلٍ شنيعٍ كهذه، ألستُ محقاً، سيدة إيامي؟
-أجل، أنت محق..لا يهم كم ذاك المجرم يشبه ليام؛ فهو لن يقوم بهذا أبداً.

قلتُ ذلك وأنا ابتسم؛ فأيّ طمأنينةٍ تلك التي غمرتني! وكأنّ حملاً ثقيلاً انزاح من على صدري، أجل؛ فربما كانت تلك الكلمات ما أردت سماعها حقاً، أردتُ أن يخبرني أحدٌ بأنّي كنتُ محقة، بأني لم أقترف خطأً فادحاً آنذاك، أردتُ أن يخبرني أحدهم بأنَّ ليام ليس شخصاً بهذا السوء وبأنني لن أندم على قراري ذاك يوماً.

ساعدني السيد وارم بالوصول إلى غرفتي وأنا أحدّث نفسي:
'بالطبع، لقد كنتُ محقة، ومالذي سيجنيه ليام من قتلي؟ لقد سلب مني جميع الأملاك بالفعل، أيّ تهديدٍ هذا الذي أشّكّله بالنسبة إليه..؟ لربما يكون وغداً طمّاعاً ولكنّه ليس سفاحاً مجنوناً..أجل، بالتأكيد، هو ليس كذلك'

وصلتُ إلى غرفتي فساعدتني مايا بالدخول إلى الحمام الذي كان جزءاً من غرفة النوم، وما أن انتهيت غيّرت السيدة ليزا ضماد رأسي وقدمي بعناية ثمّ قدمت لي بعض الأدوية المسكّنة للآلام.

جلست بجانبي تحتضن يديّ الاثنتين معاً بيديها الدافئتين، تنظر إليّ بعاطفةٍ ممزوجةٍ بحزن:
-سيدة إيامي، أرجوكِ، دعينا نبقى بجانبك بضع أياماً أخرى فحسب، كيف لنا أن نترككِ وأنتِ بهذا الوضع؟

غمرتني السعادة لقلقها الشديد عليّ؛ فابتسمت قائلةً:
-عن أيِّ وضعِ تتحدثين، سيدة ليزا؟ إنني بخير، جرح قدمي ليس بعميق فلممرضة أخبرتني بأنّها ستتعافى خلال يومين كما أنّ جرح رأسي قد خُيِّطَ بالفعل، القليل من الأدوية ستفي بالغرض..

تأمّلت عينيها التي أخذت تمتلئ بالدموع للحظة:
-يسعدني قلقك عليّ حقاً، سيدة ليزا، ولكنَّ إعالة خمسة أطفالٍ ليس بشيءٍ سهل، ناهيكِ عن صعوبة البحث عن منزلٍ جديد؛ فأرجوكِ، لا تشغلي بالكِ بي؛ فأنتِ تملكين ما يكفي من الأمور لتقلقين بشأنها.

انهمرت دموعها كقطع ألماسٍ تغطّي وجنتيها، احتضنت يديَّ بقوّةٍ أكبر ثمّ راحت تقول باكيةً:
-أنتِ..حقاً..لا تستحقين هذه الأمور السيئة، سيدة إيامي،..أنتِ..حقاً..لا تستحقينها..

نظرتُ إليها بابتسامةٍ حزينة هامسةً:
-أتسائل حول هذا.

.........................................

لقد بذلت جهدي ليكون الفصل أكثر طولاً 

🌸🌸🌸

تصويت ❤️

أو تعليق 💬

سيعني لي الكثير 😍🥰

فلا تبخلوا بذلك 😇💙

*سيتم تنزيل الفصل التالي يوم الأحد القادم*

الوريثة الوحيدةWhere stories live. Discover now